منتديات مصرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
avatar
ليدر
مدير الموقع
مدير الموقع
ذكر
رقم العضوية : 4
عدد المساهمات : 9777
التقييم : 402
تاريخ التسجيل : 07/11/2010
العمر : 57
http://leader-des.com/vb/

قاسية رغم أنفها Empty قاسية رغم أنفها

الخميس 02 يناير 2014, 9:30 pm
حدث ذلك منذ زمن بعيد. اليوم أنا جدّة وما زلت أطرح على نفسي السؤال ذاته: كيف يُلحق إنسانٌ ما الأذى بأشخاص من المفترض أن يحبّهم؟

كنت في السابعة من عمري حين أرسلني والداي للعمل في المدينة. هكذا جرت العادة في تلك الحقبة داخل العائلات الفقيرة إذ كان الفتيان يشكلون اليد العاملة فيما يتمّ التخلّص من الفتيات للتخلص من عبء إطعامهنّ وإلباسهنّ. كنت الفتاة الثانية في العائلة ولطالما تساءلت لمَ بقيت أختي في المنزل.
في الواقع كانت أمي هي من أصرّت على رحيلي وهذه لم تكن رغبة والدي في المقابل. وأنا لا أنسى جملة والدتي التي ما زالت تطنّ في رأسي: "لن أسمح لها بالبقاء هنا ثانية واحدة!".
مع البقجة في يدي، رحلت برفقة جارتنا التي أكّدت للجميع أنّ حياتي ستكون أفضل. لم أبكِ فلم أكن مدركةً ما سيحصل معي.

كان أصحاب المنزل حيث عملت طيبين وعادلين وهذه نعمة! كنت أقوم بعملي جيداً وهم يكافئونني بمعاملة لطيفة كما لو أنّني فرد من العائلة – في الحقيقة هم ربّوني وعلموني القراءة والكتابة والعادات السليمة والسلوك الحسن. عندهم لم ينقصني أيّ شيء! وحين كنت أدخل عند المساء إلى السرير وأنا أفكّر بعائلتي كانت "رئيستي" تأتي لمواساتي وتبقى إلى جانبي حتى أنام.
في سنّ السادسة عشرة قدّموا لي خطيباً هو عادل، عامل شاب في معمل رب المنزل حيث عملت. برأيهم، كان عادل إنساناً قوياً يعمل بجهد وعنده مستقبل. أعجبني وتزوّجنا. أراد أن يقابل عائلتي لكنّني رفضت. لم أستحِ بهم لكن بالنسبة لي ما عادوا عائلتي البتة بل أشخاصاً تخلّوا عني. نعم، قلبت الصفحة نهائياً!

بعد فترة، انتقلنا إلى حلب، مدينة عادل. ولكي أُريح ضميري أرسلت خبراً لعائلتي من أجل إخبارهم أنّني رحلت إلى سوريا إذا أرادوا الاتصال بي مجدداً مع العلم أنّ ذلك كان غير وارد على الإطلاق. ما زالت تلك الفتاة الصغيرة التي انتُزعت من أحضان عائلتها وأُبعدت عن أصدقائها وقريتها تأمل أن يتذكّرها أهلها يوماً ما.
مرت السنوات بهدوء وكنت سعيدة. توقفت عن العمل في المنازل ورحت أساعد زوجي في زراعة أرض صغيرة يملكها ويبيع محصولها في الأسواق. وبفضل تفانينا نجحنا في شراء أرض أوسع وازدهر عملنا. ربّيت أولادي متعهّدةً ألّا أنفصل عنهم البتة مهما حصل. كانوا يسألونني دائماً عن عائلتي لكنّني لم أكن أخبرهم أيّ شيء عن طفولتي ولا عن حقيقة جدّيهم المرّة. لم أشأ أن يفكروا بأن ذلك قد يحصل معهم يوماً.

ثم في صباح أحد الأيام، قُرع جرس المنزل. فتحت ورأيت امرأة تقف أمامي. كانت سماتها مألوفة بنظري ولكنني لم أتعرّف إليها. كانت عيناها تلمعان من دموع الفرح حين همست:
- أنتِ جميلة للغاية.
- هل تعرفينني؟ سألتها متعجبةً!
- أنا أمك.

وارتمت على عنقي فتراجعت إلى الخلف وحاولت أن أغلق الباب بوجهها ولكنها كانت أسرع مما ظننت إذ نجحت تلك العجوز في الدخول إلى المنزل.
- لن أرحل قبل أن تسمعيني. لطالما انتظرت هذه اللحظة لسنوات طويلة.
وبدأت تسرد القصة:
- أعرف ما هو شعورك حيالي ولكن خلافاً لما تظنينه لطالما أحببتك وأكثر مما تتخيّلين. أنا لم أتركك بل أنقذتك! لو عاد لي الأمر وحتى لو قضت الحاجة كنت لأبيع شعري وأسناني كي أبقيك إلى جانبي. لقد أنقذتك من ذاك الوحش المدعو أباكِ.
- لم يشأ والدي أن أرحل بل أنت من أصررت على الأمر! هو كان يلاطفني طيلة الوقت ويلعب معي أمّا أنت فكنت تصرخين في وجهه ليتوقف.
- صحيح يا عزيزتي. أراد أن تبقي في المنزل أما أنا فوددت نزعك من بين يدي ذاك الشاذ. اجلسي يا صغيرتي ودعيني أخبرك بكل شيء. بدأت المسألة برمّتها مع شقيقتك الكبرى. وحين عرفت بما يجري كان الوقت قد تأخر. حين اكتشفت الأمر فعلت ما بوسعي لحمايتها والله وحده يعلم كم عانيت من العنف في كل مرة كنت أمنعه من لمسها. ما كان يهمّني انتقامه مني ما دام بعيداً عنها. لم أكن أنام في الليل لأبقيها إلى جانبي طيلة الوقت، والأسوأ أنّني لم أستطع إخبار أحد فمن كان ليصدّقني؟ كان الأمر دنيئاً جداً! ثمّ عرفت أنني حامل وطلبت من السماء أن يكون صبياً ولكنني أنجبتك فتاة صغيرة رائعة، فريسة جديدة لذاك الوحش الذي تزوّجته. وبما أنّني لم أكن قادرة على حماية فتاتين في الوقت عينه اتخذت القرار المؤلم بإرسالك بعيداً عنه. عرفت أنّك ستكرهينني لكنّ ذلك لا يُقارن بما كان سيفعله بك. لهذا السبب أصرّ على بقائك أمّا أنت فكنت صغيرة جداً لتفهمي. من حسن الحظ أنني لم أنجب إلاّ صبياناً من بعدك وإلاّ صدّقيني لفعلت الأمر نفسه. لم أتوقف عن البحث عن أخبارك من دون أن تعلمي. لم أرد أن تعودي إلى المنزل ما دام على قيد الحياة.
- لقد مات الآن. لهذا السبب أنت هنا؟ قلت باكيةً.
- مات البارحة وأنا هنا اليوم. لم أرد حضور دفنه حتى فليتعفّن في الجحيم! انتظرت هذه اللحظة سنوات طويلة وسارعت لرؤيتك وملامستك وشمّ رائحتك يا ابنتي الصغيرة الغالية!

ارتميت بين ذراعيها وعانقنا بعضنا دقائق طويلة ووددت لو أبقى هكذا لحياة كاملة! أمي لم تتركني بل لشدّة حبّها لي عاشت من دوني من أجلي. رجع أولادي من المدرسة في تلك الأثناء.
- تعالوا للتعرّف إلى جدّتكم، أفضل أم في العالم. قبّلوها بقوة!
- ولكن لمَ تبكين يا أمي؟
- لأنّ الكثير من الحب دفعة واحدة أمرٌ مبكٍ بالفعل يا أعزائي!

بقيت أمي عندنا ثلاثة أشهر ثمّ حان دورنا للذهاب إلى لبنان وتحديداً إلى قريتي الغالية. هناك، قابلت شقيقتي وأصدقائي من جديد وتعرّفت إلى أشقائي واجتمعنا كعائلة حقيقية. ومن الغريب أنّني أصررت على الذهاب إلى قبر والدي فقد أردت أن أسأله لمَ فعل ما فعله؟ وكيف عسى أب يلحق هذا النوع من الأذيّة ببناته؟ هل أحبّني حقاً؟ هذا ما لن أعرفه أبداً!
محمد أفندى
محمد أفندى
مدير الموقع
مدير الموقع
ذكر
رقم العضوية : 21
عدد المساهمات : 2156
التقييم : 1055
تاريخ التسجيل : 02/12/2010
العمر : 74
البلد : بورسعيد
قاسية رغم أنفها 3913
قاسية رغم أنفها 5910



قاسية رغم أنفها Empty رد: قاسية رغم أنفها

الخميس 17 أبريل 2014, 4:41 pm
كانت تلك العادات ومنهج الحياه فى الماضى والمجتمع المصرى يستقدمون البنات من الريف وكانت حظوظ فى نوعية الاسر التى تستقدم البنات وتلك حكايات وروايات اخرى من حكاواتى الزمان...
المهم فى تلك القصه هى ظروف تحتم على الاسره بذالك دون وعى للفتاه ولا اراده ويتلاعب معها مخيلتها انها ظلمت وتظل تلك العقده معها حيث انه قد قضى على طفولتها وشبابها بحرية مع اسرتها ومعارفها رغم الظروف الاجتماعيه ....
ودائم يكون الاحساس هو هو الظلم ولماذا كتب هذا الى لحظه تدركها بفهم ووعى وليس عاطفه هذا القدر افضل من غيرها الكثير لو قدر......نعم ان كانت قسوة ....ظاهرها ...باطنه الرحمة والحب والخوف...
شكرااا ليدر لتلك الموضوعات لما فيها من حكمه ...
محمد افندى..

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى