منتديات مصرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
admin
admin
مدير الموقع
مدير الموقع
ذكر
رقم العضوية : 1
عدد المساهمات : 13582
التقييم : 2521
تاريخ التسجيل : 05/11/2010
العمر : 57
وقفة تحليلية بعد سقوط بيت المقدس 2 3913
http://masrya.ahlamontada.org

وقفة تحليلية بعد سقوط بيت المقدس 2 Empty وقفة تحليلية بعد سقوط بيت المقدس 2

الجمعة 17 ديسمبر 2010, 4:12 pm
كانت لنا في المقال السابق وقفة تحليلية مهمة أمام الوضع في المشرق بعد سقوط بيت المقدس، وبعد مرور أكثر من سنتين على نزول الصليبيين أرض الإسلام، فتوقفنا أمام حال الإمارات الصليبية، وحال زعمائها، ثم توقفنا مع الكنيسة البابوية في روما، كما توقفنا مع الدولة البيزنطية، وكانت وقفتنا الرابعة مع الخليفة العباسي في ذلك الوقت، والخامسة مع سلطان السلاجقة العظام، والآن نقف مع باقي القوى على الساحة آنئذ.



الوقفة السادسة: مع الخليفة العبيدي (الفاطمي) بالقاهرة
كان الخليفة العبيدي في ذلك الوقت هو المستعلي بالله، وكان مثل غيره من الخلفاء العبيديين، إسماعيلي المذهب، شديد التطرف في معتقده، حاقدًا على أهل السنة، يعتبرهم العدو الأساسي له، لا يمانع في سبيل عداوتهم من أن يضع يده في أيدي الصليبيين أو غيرهم من أعداء الأمة، ولقد رأينا سفارتين منه إلى الصليبيين تعرضان عليه التعاون لتقسيم الشام السني بينهما، غير أنَّ هذه السفارات لم تفلح؛ لأن الصليبيين كانوا يريدون الشام كله لهم، وخاصةً بيت المقدس الذي يطمع في حكمه العبيديون، ورأينا كيف أخرج الصليبيون العبيديين من بيت المقدس دون مقاومة تذكر[1].



ومع ذلك فالعبيديون ما زالوا يسيطرون على عدة مدن على ساحل الشام وفلسطين منها عسقلان وعكا وبيروت وصور، وبعض هذه المدن دخل في معاهدة مع الصليبيين كعكا وعسقلان، والآخر ما زال يدرس الأوضاع، لكن هل ستسكت الدولة العبيدية على ضياع جزء كبير من ممتلكاتها مثل فلسطين؟ وهل ستترك عدوًا قويًّا كالصليبيين على الحدود الشرقية لمعقلها الأخير في العالم وهو دولة مصر؟ إن هذا سؤال ستتحدد إجابته في خلال الشهور والسنوات المقبلة.



ولعله من الضروري أن نعرف أن مقاليد الحكم الحقيقية في الدولة المصرية آنذاك، لم تكن في يد الخليفة نفسه، ولكنها كانت في يد الوزير القوي الأفضل بن بدر الجمالي، كما ينبغي أن نعرف أن جيش العبيديين الرئيسي كان معتمدًا على المغاربة الذين أتوا مع الجيوش الأولى التي احتلت مصر سنة (358هـ) 969م، وأيضًا على الجنود القادمين من السودان وغيرها من البلاد البعيدة، ولم يكن بجيشهم عدد يذكر من المصريين؛ لأن المصريين -على الرغم من حكمهم بالشيعة فترة طويلة من الزمان تجاوزت حتى زمن الحروب الصليبية- لم يتشيعوا مطلقًا، وظلوا محتفظين بطابعهم السني على الرغم من قهر العبيديين لهم.



وهكذا خرجت قلعة عظيمة من قلاع الإسلام وهي مصر من معادلة القوى المؤثرة في الأحداث؛ حيث قاد دفَّة الأمور فيها من لا يرجو رفعة، ولا عزًّا إلا لنفسه فقط، ومن لا يضع أحلام الأمة وأمنياتها في حساباته ولا قدر أنملة!



الوقفة السابعة: مع حكام المسلمين في منطقة الشام
كان الشام مقسمًا في ذلك الوقت -بلا مبالغة- إلى عشرات الإمارات، وعلى كل إمارة زعيم يعتقد أنه محور العالم، ويُصوِّره إعلامه على أنه الرجل الأوحد الحكيم الذي لم يتكرر في التاريخ، والذي لم -ولن- تنجب البلاد مثله!! لقد كانوا في تمثيلية وهميَّة خدعوا بها أنفسهم، وخدعوا بها شعوبهم، ثم جاءت الحملة الصليبية لتكشف للجميع زيف هذه الزعامات الفارغة.



ولم يكن من همِّ هؤلاء الأمراء والملوك إلا الحفاظ على كراسيهم وأملاكهم، وعلى هذا فلم يكن يعنيهم من قريب ولا بعيد أمر الصليبيين إذا احتلوا الشام بكامله وتركوهم دون أذى، وعليه فلم يتحرك هؤلاء إلا عندما شعروا بالخطر يتهددهم هم شخصيًّا، وحتى عندما تحرَّكُوا تحركوا بمعاهدة مخزية أو بحرب فاشلة أو بهروب فاضح!!



وكان أهم ملوك الشام -في ذلك الوقت- رجلين هما: ملك دمشق دقاق بن تتش، وملك حلب رضوان بن تتش، وكانا شخصيتين نفعيتين بعيدتين كل البعد عن السلوك الإسلامي، ولم يكن الأمر يقف عند هذا الحد، بل كانا -مع أنهما أشقاء- في حرب مستمرة وعداء مُطَّرد، وكأنهما ورثا قطيعة الرحم وغياب الرؤية من أبيهما تتش بن أرسلان؛ ولهذا لم يكن هناك من سبيل لتوحيد جهود حلب ودمشق لمقاومة الغزو الصليبي.



وفوق هذه المأساة التي كان يعيشها هذان الحاكمان وغيرهما، فإن رضوان بن تتش كان يعيش مأساة أخرى من طراز أشنع؛ فقد رأى رضوان بن تتش أن القوى من حوله تتكاثر وهو ضعيف؛ لذلك فكر في وسيلة يُقوِّي بها مركزه، فقرر التعاون مع الدولة العبيدية في مصر، ولم يكتفِ مع مرور الوقت بالتعاون معهم بل صار من دعاتهم، ومن الذين يتبنَّون الفكر الشيعي الإسماعيلي، ومن ثَمَّ عيَّن دعاة الإسماعيلية في حلب في المناصب الكبيرة، وصار لهم في حلب جاهٌ عظيم وقدرة فائقة، وأصبح زعيم الباطنية الإسماعيلية في حلب -وهو الحكيم المنجم- مقربًا جدًّا من رضوان.



وأثار هذا استياء عامة قواد وأمراء السلاجقة في كل مكان؛ لأن السلاجقة سُنَّة منذ إسلامهم، بل ويتولون الدفاع عن المذهب السني في كثير من المواقف في حياتهم، وهم الذين أنقذوا الخلافة العباسية قبل ذلك في سنة (447هـ) 1055م من الحكم البويهيِّ الشيعي[2]؛ لذلك كان مستغربًا من رضوان جدًّا أن يأخذ هذا التوجُّه الذي يدل على شخصية نفعيَّة بحتة، لا تبحث إلا عن مصالحها بدون النظر إلى أي اعتبارات أخرى.



كانت هذه هي طبيعة حُكَّام المنطقة إبَّان دخول القوات الصليبية في الشام.



الوقفة الثامنة: مع قلج أرسلان وسلاجقة الروم
لقد مرَّ بنا الغزو الصليبي لآسيا الصغرى في بادئ الأمر، وقتال السلاجقة وعلى رأسهم سلطانهم قلج أرسلان، وإسقاط عاصمتهم نيقية وغيرها من المدن، غير أن هذا الصدام من الصليبيين لم يكن بهدف احتلال آسيا الصغرى، إنما كان مجرد تصفية للقوى التي تواجه الجيوش في طريقها إلى الشام، وهذا تدبير خبيث من الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين، الذي أراد أن تسلك القوات الصليبية هذا الطريق لتقضي على العدو التقليدي للدولة البيزنطية في ذلك الوقت وهم السلاجقة، وبذلك تسترد الإمبراطورية مدنها القديمة، وكان من الممكن للدولة البيزنطية -لو أرادت- أن تنقل الجيوش الصليبية بأساطيلها الضخمة إلى سواحل الشام القريبة من بيت المقدس مثل يافا أو عسقلان أو حيفا، لكنَّ كل فريق -كما هو واضح- يبحث عن غاياته وأهدافه.



ولذلك -على الرغم من المعارك العنيفة التي دارت في آسيا الصغرى، وأهمها معركتا نيقية ودوريليوم- فإن القوات الصليبية لم تشأ أن تمكث في أراضي آسيا الصغرى، وخاصةً أن هذه الأراضي ذات طبيعة جغرافية صعبة، تجعل السيطرة عليها مهمة شاقة، كما أنها قريبة من الإمبراطورية البيزنطية صاحبة الأطماع، إضافةً إلى أن القوات الصليبية فَقَدت في هذه المعارك، وفي أثناء الطريق إلى أنطاكية عددًا كبيرًا من جنودها، مما جعل إبقاء حاميات صليبية في هذه المدن الكثيرة أمرًا في غاية الخطورة.



لكل هذا قررت الجيوش الصليبية أن تسحب قواتها من آسيا الصغرى، ولا تسعى للتوسع فيها، اللهم إلا في المدن القريبة من إمارتي أنطاكية والرُّها المجاورتين لآسيا الصغرى، ولهذا بعد فترة قصيرة من الحروب الصليبية خلت منطقة آسيا الصغرى من أي وجود صليبي، وأصبحت السيطرة على هذه المناطق موزعة بين الدولة البيزنطية في الغرب والشمال، وبين السلاجقة في الوسط والشرق.



ولهذا فعلى الرغم من الهزائم المُرَّة التي تلقاها سلاجقة الروم على يد الصليبيين فإنهم لم يفقدوا وجودهم ولا أعدادهم؛ غاية الأمر ضياع غرب آسيا الصغرى، ومجموعة من قلاع الوسط، أما جيوشهم وشعوبهم فكانت موجودة في أماكن مختلفة من هذه المناطق، مستغلةً الطبيعة الجبلية الوعرة لآسيا الصغرى بصفة عامة.



وكان على رأس السلاجقة في هذه المناطق سلطانهم قلج أرسلان الذي خسر الكثير في صدامه مع الصليبيين، ولكنه -لا شك- سيظل يبحث عن ملكه الضائع، وعن ثروته التي بددت.



ولم يكن قلج أرسلان ولا السلاجقة هم القوة الإسلامية الوحيدة في آسيا الصغرى، ولكن كان هناك -كما فصَّلنا قبل ذلك- بيت بني الدانشمند، والذين كانوا يسيطرون على الشمال الشرقي، وكانوا دومًا في نزاع مع السلاجقة، ولم يتحدوا معهم إلا مؤقتًا عند دخول الصليبيين، ثم عادت العلاقة للتوتر بعد ذلك كما هو متوقع.



ماذا سيكون ردُّ فعل قلج أرسلان وقبائل الدانشمند على الأوضاع الجديدة؟ وكيف سيكون الوضع في آسيا الصغرى؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابة!



الوقفة التاسعة: مع نصارى الشام وآسيا الصغرى
توجد أعداد كبيرة من النصارى في منطقة الشام وفلسطين، وكذلك في آسيا الصغرى، ومجرد وجود هذه الأعداد الكبيرة دليل على سماحة الإسلام وعدله، فعلى الرغم من مرور خمسة قرون على الحكم الإسلامي فإنَّ هؤلاء المخالفين لدين الإسلام ما زالوا يعيشون في البلاد دون قتل أو طرد مثلما اعتاد الصليبيون أن يفعلوا بنا في البلاد المحتلة في الأندلس، هذا فضلاً عن الشهادات المنصفة التي تشهد للمسلمين بهذا العدل على مرِّ العصور.



وغالبية نصارى الشام ينتمون إلى الطائفة الأرثوذكسية، ويتبعون معقل الأرثوذكسية الأول في العالم، وهو مدينة القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، وهذا -لا شك- جعل ولاءَهم السياسي والعسكري والديني في المقام الأول لهذه الإمبراطورية، غير أن هؤلاء النصارى فرحوا جدًّا بالغزو الصليبي، ومهَّدوا له الطريق بكل وسيلة لأنهم في النهاية مسيحيون. إضافةً إلى أن الإمارات والممالك الصليبية كانت تعتمد على هؤلاء النصارى في معظم الأعمال؛ لأنها كانت لا تُبقِي المسلمين في داخل إماراتهم، ولهذا صار للنصارى وضع يدفع إلى رغبتهم في استمرار الحال على ما هو عليه، كل هذا مع كون النصارى الأرثوذكس على خلاف كبير مع المذهب الكاثوليكي، لكن الصليبيين كانوا من الذكاء في أنهم لم يثيروا هذه القضية، غاية الأمر أنهم كانوا يُقلبون الكنائس الكبرى إلى كاثوليكية، لكن يتركون كل نصراني على عقيدته الخاصة.



أما غالبية نصارى آسيا الصغرى فكانوا من الأرمن، وهؤلاء -على عكس نصارى الشام- لم تكن أحلامهم تقتصر على مجرد رغد العيش أو فرصة العمل، ولكنهم كانوا يريدون دولة وسيادة، وهم قد عاشوا فترة طويلة في تبعية الدولة البيزنطية، ثم بعدها في تبعية السلاجقة، وهم يتبعون كنيسة خاصة بهم أقرب إلى الكاثوليكية، وإن كانت مستقلة، وأعدادهم كانت كبيرة، ولهم تاريخ بالمنطقة، ولهم لغة خاصة بهم؛ لكل هذا لم تقف رغبتهم عند مجرد التبعية لأحد، ولهذا تجمعوا في معظمهم في جنوب شرق آسيا الصغرى، وخاصة في إقليم قليقية كما مر بنا، وهم سعدوا بالحروب الصليبية لأنهم رأوا فيها -بدايةً- خلاصًا من السلاجقة المسلمين، وأيضًا خلاصًا من الدولة البيزنطية والأرثوذكسية المخالفة لهم في العقيدة؛ ولذلك أحسنوا استقبال الصليبيين واعتبروهم محرِّرين لهم، وإن كانوا لم يذوقوا بعدُ طريقة الحكم الأوربي، والتي تعتمد في الأساس على النظام الإقطاعي الاستعبادي؛ ولذلك فسنرى بعد ذلك كيف سيكون التعامل على ضوء المعطيات الجديدة.



كما أن بعض الأرمن استغلوا سوء الأوضاع السياسي، وانشغال السلاجقة والبيزنطيين والصليبيين في الحروب المستمرة، واستقلَّ ببعض المدن، وخاصةً الموجودة في الجبال الجنوبية الشرقية في آسيا الصغرى، ليؤسس شبه إمارة تعتمد كليًّا على الأرمن، ومن هؤلاء على سبيل المثال كوغ باسيل الأرمني الذي أسس إمارة أرمنية خالصة قوية، كان مركزها في الأساس مدينتي كيسوم ورعبان، وازداد نفوذه واتسع لدرجة أقلقت الصليبيين أنفسهم.



ومن المعلوم أن غالب سكان إمارة الرها في أول نشأتها كانوا من الأرمن، ولا شك أن هذا سيكون له أثر على سير الأحداث في الأيام المقبلة.



الوقفة العاشرة والأخيرة: مع الشعوب المسلمة !
يَنْحَى كثير من المؤرخين دائمًا باللوم الكامل على طائفة الحكام والسياسيين، ولا يعلق -لا من قريب ولا من بعيد- على الشعوب التي تعيش تحت حكمهم، ولا شك أن دور الحكام كبير ومؤثر، ولا شك أيضًا أن الشعوب من المسئولية تجاه الأحداث المؤسفة التي شهدتها المنطقة في هذه الحقبة من الزمان.



فالحكام إفراز طبيعي للشعوب، وكما يقول رسول الله: "كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ"[3]؛ فالشعب الصالح يُقيِّض له اللهرجلاً صالحًا، والشعب المجاهد ييسر له رب العالمين قائدًا مجاهدًا، أما الشعب الخانع الضعيف الراغب في مجرد الحصول على لقمة العيش أو على وظيفة طيبة، فإنه يُبتلى بحاكم ظالم يُضيِّع عليه الدنيا والدين. إن الحاكم لا يستمد قوته حقيقةً إلا من شعبه، وإلا فمن هو الحاكم بدون شعبه؟ من الحاكم بدون جيشٍ ووزارات وسفارات ومصالح حكومية وموظفين وعمال وتجار وغيرهم؟ من هو الحاكم إذا تخلى عنه كل هؤلاء؟ ثم من الذي فرض على الشعب أن يسير وراء حاكمٍ بائع لدينه ووطنه، ومبدلٍ لشرع الله قادح فيه؟ أهو السيف والسوط فقط؟! ألم يعلم هذا الشعب أن الأجل لا ينقص ساعة، وأن الرزق لا يقل درهمًا عما قدَّره رب السموات والأرض؟!



إن هذه بديهيات لا تغيب عن ذهن شعب واعٍ فاهم، وهذه ليست بديهيات مستحيلة، فكثير من شعوب الأرض على اختلاف مللهم وعقائدهم فَهِمُوا هذه البديهيات فعاشوا حياة كريمة، أفلا يفهمها المسلمون الذين أنعم الله عليهم بقرآن وسنة؟!



إننا لا يجب أن نعفي الشعوب التي رضيت برضوان ودقاق وغيرهما من الزعامات التافهة التي خربت البلاد، وظلمت العباد، وفتحت الطريق لألد أعداء الأمة ليسيطروا على مقدراتنا دون عناء، ولا يجب أن نعفي الشعوب التي رضيت بالحكم الصليبي في مقابل أن يسمح لهم أن يعيشوا بضع ساعات أكثر، ولا يجب أن نعفي الشعوب التي ما زالت تتعامل بالبيع والشراء مع عدو سفك دمها واستحل أرضها وأحرق مساجدها ونهب ثرواتها، كما لا يجب أبدًا أن نعفي الشعوب التي مسحت من قاموسها كلمة (الجهاد)، حتى في أحرج المواقف التي تحتل فيها البلاد، ويصبح الجهاد فرض عين على كل المسلمين، بل إن كل شرائع العالم السماوية والوضعية لا تنكر على شعب احتلت أرضه أن يقاوم ويقاتل ويجاهد، فكيف بشعبٍ مسلم جعل الله I له الجهاد ذروة سنام دينه؟!



إن هذا الكلام ليس قاسيًّا أبدًا، بل هو واقعي تمامًا، وسنرى أنه يوم تدرك الشعوب دورها، وتتحرك طالبة من حاكمها إما أن يجاهد لرفع الظلم، وإما أن يترك المسئولية لغيره ليصلح الأوضاع، حين نرى هذا اليوم ستتغير الأوضاع، وتتبدل الأحوال، ويرفع الظلم، ويُمحى الذل، ويبدأ الشعب في الوصول إلى ما يجب أن يصل إليه.



إذن كان هذا هو الحال بعد سنتين من دخول القوات الصليبية إلى أرض الإسلام. ويمكن أن نلخص ذلك في النقاط العشر التالية:



أولاً: تكونت ثلاثة إمارات صليبية هي الرها وأنطاكية وبيت المقدس، وما زال ريمون الرابع يبحث له عن إمارة.



ثانيًا: أرسلت الكنيسة في روما أسقف بيزا دايمبرت ليحاول فرض سيطرة الكنيسة على بيت المقدس.



ثالثًا: استطاعت الدولة البيزنطية أن تسترد غرب آسيا الصغرى، ولكنها فقدت أنطاكية والرها وبيت المقدس، ولا شك أنها لن ترضى بهذا الوضع.



رابعًا: الخليفة العباسي ضعيف جدًّا، ولا يُرجى منه تغيير الوضع المتأزم.



خامسًا: السلطان بركياروق سلطان السلاجقة في فارس مشغول بالفتن الداخلية في دولته، فضلاً عن خلافه العميق مع أمراء الشام.



سادسًا: الخليفة العبيدي في القاهرة له أطماعه الخاصة في بيت المقدس وفلسطين، وإن لم تكن له القدرة الكاملة على مواجهة الصليبيين.



سابعًا: حكام الإمارات الإسلامية في منطقة الشام ضعفاء جدًّا من الناحيتين الإيمانية والإدارية على حد سواء، ومن ثَمَّ فهم لم يكونوا على قدر الأزمة التي عصفت بالأمة في هذه الآونة.



ثامنًا: سلاجقة الروم بزعامة قلج أرسلان ما زالوا في آسيا الصغرى، وما زالوا أيضًا يبحثون عن وجود لدولتهم، وإن كانوا منعزلين تمام الانعزال عن مشكلة الشام.



تاسعًا: النصارى الأرثوذكس يرحبون بالصليبيين، وكذلك الأرمن، وإن كان الأرمن لهم أطماع استقلالية، وخاصةً في الجنوب الشرقي لآسيا الصغرى.



عاشرًا: الشعوب المسلمة في المناطق المحتلة وغيرها كانت راضيةً بالوضع لحرصها على أي حياة، ولم يكن طموحها يرقى إلى معاني الجهاد والبذل والتضحية.



هذا هو الوضع بعد سقوط بيت المقدس، وفي أخريات القرن الحادي عشر الميلادي (آخر الخامس الهجري)، وتحديدًا في أخريات يوليو 1099م (رمضان 492هـ).



د. راغب السرجاني


-------------------------------

[1] ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق ص135.

[2] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/323.

[3] رواه أبو عبد الله القضاعي في مسنده الشهاب (577 )، والبيهقي في شعب الإيمان بلفظ "يؤمر عليكم" (7391) وفي سنده يحيى بن هاشم وهو ضعيف، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (320).


الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى