حرمة بيوت الله
الجمعة 29 مارس 2013, 5:28 pm
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
التحذير والتنفير من الاعتداء على المساجد من خلال بيان فضلها وقداستها، وعقوبة من يعتدي عليها في الدنيا والآخرة.
المقدمة:
ـ الإشارة إلى حوادث الاعتداء الأخيرة على المساجد ومحاصرتها في صورة همجية (إلقاء المولوتوف ـ منع الأذان والصلاة - حبس المصلين والإمام - و... )، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:114).
المساجد بيوت الله في الأرض:
ـ نسبها الله إليه تشريفًا وتعظيمًا لمكانتها: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)(متفق عليه).
ـ مراكز الهداية والعلم والنور: قال -تعالى-: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النور:35-38).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "لما ضرب الله -تعالى- مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقدة من زيت طيب وذلك كالقنديل مثلاً، ذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله -تعالى- في الأرض، وهي بيوته التي يعبد فيها" اهـ.
فضل المساجد ودورها في المجتمع:
- المساجد هي هذه البقاع الأرضية الطاهرة التي ترفرف حولها وعليها الملائكة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا) (رواه مسلم).
- المساجد هي مراكز نشر التوحيد في المجتمع: قال -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن:18).
- المساجد هي الأماكن المقدسة التي تشهد تربتها كل يوم خمس مرات هذه الجباه الساجدة الضارعة لبارئها: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(النور:36-38).
ـ المساجد هي هذه الأماكن التي يهرع ويفزع إليها المؤمنون من مادية الزمان الطاغية ليجدوا السكينة والطمأنينة بين رحابها:قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ) (متفق عليه).
ورغب -صلى الله عليه وسلم- في ارتياد المساجد، فقال: (صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إِلا الصَّلاةُ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ الله ارْحَمْهُ وَلا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ) (متفق عليه).
ـ المساجد هي ملتقى المؤمنين ورباط الصالحين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ مُؤْمِنٍ) (رواه أبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني).
المساجد أهم المؤسسات في المجتمع:
ـ أول كيان أقامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم في المدينة: (هجرته ونزوله بقباء وإقامة مسجدها على رغم أنه مكث فيها أيامًا).
- التأكيد على ذلك ببناء مسجده لما دخل المدينة: (الإشارة إلى قصة بناء المسجد واهتمامه بذلك أكثر من بناء بيته، وقد ظل ضيفًا على أصحابه حتى انتهى من ذلك).
ـ الإشارة إلى حاله في مرض موته -صلى الله عليه وسلم-: كان بيْن السكرات والإفاقة يسأل عن أحوال المسجد والمسلمين اطمئنانًا على استمرار دوره من بعده.
ـ المساجد هي المنطلق الأول لحياة المجتمع: (كانت البيعة من المسجد - استقبال الوفود - إدارة الأزمات - ... ).
قداسة المساجد:
حُفت المساجد بأحوال تدل على عظيم مكانتها وقداستها، ومن ذلك:
- الترغيب في بنائها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرَهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا أوْ حَفَرَ بِئْرًا أوْ غَرَسَ نَخْلاً أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ) (رواه البزار وأبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني).
- الترغيب في السعي إليها: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ) (متفق عليه).
ـ الدعاء عند التوجه إليها: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَعَظِّمْ لِي نُورًا) (متفق عليه).
- الدعاء عند دخولها: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ) (رواه أحمد الترمذي، وصححه الألباني).
ـ التزين والتطيب والتستر عند قصدها: قال الله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد) (الأعراف:31).
- تنظيفها وتطييبها وصيانتها من الأقذار والروائح الكريهة: عن عائشة -رضي الله عنها- قَالَت: "أَمَـرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الـدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ" (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) (متفق عليه).
- النهي عن رفع الصوت فيها ولو بالذكر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَـاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلاَةِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
ـ النهي عن نشد الضالة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لاَ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا) (رواه مسلم).
من أحوال الصالحين مع المساجد:
ـ يحبون جوار المسجد والقرب منه: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيوته إلى جوار المسجد؛ وهذا شأن المحب مع المحبوب.
ـ يبدأون يومهم من المسجد: عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا" (رواه مسلم).
ـ يحبونه أكثر من بيوتهم: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- "إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ"(رواه مسلم).
ـ قلوبهم مرتبطة به وإن فارقته أجسادهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) (متفق عليه). فذكر منهم: (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ).
- يُحملون إلى المساجد وهم مرضى: قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ" (رواه مسلم).
يجدون فيها مخرجًا من هموم الدنيا: "علي بن أبي طالب يقصد المسجد ويأوي إليه لما تشاحن مع زوجته فاطمة - أبو أمامة يقصد المسجد بالدعاء والصلاة لما تراكمت عليه الديون وكثرت عليه الهموم - كان شيخ الإسلام ابن تيمية إذا سألوا عنه وجدوه في المسجد".
بيوت الله وعاقبة الاعتداء عليها:
ـ أخسر وأظلم الناس في الدنيا والآخرة: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:114).
ـ من خزي الدنيا لهم عقوبة المفسدين في الأرض: قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33).
ـ وليحذر المعتدي من نكال الله به في الدنيا: قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ . أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ . وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ . تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ . فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (سورة الفيل).
فاللهم احفظ بيوتك من سفه السفهاء، ولا تؤاخذنا بما يفعلون.
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
التحذير والتنفير من الاعتداء على المساجد من خلال بيان فضلها وقداستها، وعقوبة من يعتدي عليها في الدنيا والآخرة.
المقدمة:
ـ الإشارة إلى حوادث الاعتداء الأخيرة على المساجد ومحاصرتها في صورة همجية (إلقاء المولوتوف ـ منع الأذان والصلاة - حبس المصلين والإمام - و... )، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:114).
المساجد بيوت الله في الأرض:
ـ نسبها الله إليه تشريفًا وتعظيمًا لمكانتها: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)(متفق عليه).
ـ مراكز الهداية والعلم والنور: قال -تعالى-: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النور:35-38).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "لما ضرب الله -تعالى- مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقدة من زيت طيب وذلك كالقنديل مثلاً، ذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله -تعالى- في الأرض، وهي بيوته التي يعبد فيها" اهـ.
فضل المساجد ودورها في المجتمع:
- المساجد هي هذه البقاع الأرضية الطاهرة التي ترفرف حولها وعليها الملائكة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا) (رواه مسلم).
- المساجد هي مراكز نشر التوحيد في المجتمع: قال -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن:18).
- المساجد هي الأماكن المقدسة التي تشهد تربتها كل يوم خمس مرات هذه الجباه الساجدة الضارعة لبارئها: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(النور:36-38).
ـ المساجد هي هذه الأماكن التي يهرع ويفزع إليها المؤمنون من مادية الزمان الطاغية ليجدوا السكينة والطمأنينة بين رحابها:قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ) (متفق عليه).
ورغب -صلى الله عليه وسلم- في ارتياد المساجد، فقال: (صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إِلا الصَّلاةُ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ الله ارْحَمْهُ وَلا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ) (متفق عليه).
ـ المساجد هي ملتقى المؤمنين ورباط الصالحين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ مُؤْمِنٍ) (رواه أبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني).
المساجد أهم المؤسسات في المجتمع:
ـ أول كيان أقامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم في المدينة: (هجرته ونزوله بقباء وإقامة مسجدها على رغم أنه مكث فيها أيامًا).
- التأكيد على ذلك ببناء مسجده لما دخل المدينة: (الإشارة إلى قصة بناء المسجد واهتمامه بذلك أكثر من بناء بيته، وقد ظل ضيفًا على أصحابه حتى انتهى من ذلك).
ـ الإشارة إلى حاله في مرض موته -صلى الله عليه وسلم-: كان بيْن السكرات والإفاقة يسأل عن أحوال المسجد والمسلمين اطمئنانًا على استمرار دوره من بعده.
ـ المساجد هي المنطلق الأول لحياة المجتمع: (كانت البيعة من المسجد - استقبال الوفود - إدارة الأزمات - ... ).
قداسة المساجد:
حُفت المساجد بأحوال تدل على عظيم مكانتها وقداستها، ومن ذلك:
- الترغيب في بنائها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرَهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا أَوْ أَجْرَى نَهْرًا أوْ حَفَرَ بِئْرًا أوْ غَرَسَ نَخْلاً أَوْ بَنَى مَسْجِدًا أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ) (رواه البزار وأبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني).
- الترغيب في السعي إليها: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ) (متفق عليه).
ـ الدعاء عند التوجه إليها: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَعَظِّمْ لِي نُورًا) (متفق عليه).
- الدعاء عند دخولها: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ) (رواه أحمد الترمذي، وصححه الألباني).
ـ التزين والتطيب والتستر عند قصدها: قال الله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد) (الأعراف:31).
- تنظيفها وتطييبها وصيانتها من الأقذار والروائح الكريهة: عن عائشة -رضي الله عنها- قَالَت: "أَمَـرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الـدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ" (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ) (متفق عليه).
- النهي عن رفع الصوت فيها ولو بالذكر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَـاجٍ رَبَّهُ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلاَةِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
ـ النهي عن نشد الضالة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لاَ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا) (رواه مسلم).
من أحوال الصالحين مع المساجد:
ـ يحبون جوار المسجد والقرب منه: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيوته إلى جوار المسجد؛ وهذا شأن المحب مع المحبوب.
ـ يبدأون يومهم من المسجد: عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا" (رواه مسلم).
ـ يحبونه أكثر من بيوتهم: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- "إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ"(رواه مسلم).
ـ قلوبهم مرتبطة به وإن فارقته أجسادهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) (متفق عليه). فذكر منهم: (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ).
- يُحملون إلى المساجد وهم مرضى: قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ" (رواه مسلم).
يجدون فيها مخرجًا من هموم الدنيا: "علي بن أبي طالب يقصد المسجد ويأوي إليه لما تشاحن مع زوجته فاطمة - أبو أمامة يقصد المسجد بالدعاء والصلاة لما تراكمت عليه الديون وكثرت عليه الهموم - كان شيخ الإسلام ابن تيمية إذا سألوا عنه وجدوه في المسجد".
بيوت الله وعاقبة الاعتداء عليها:
ـ أخسر وأظلم الناس في الدنيا والآخرة: قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:114).
ـ من خزي الدنيا لهم عقوبة المفسدين في الأرض: قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33).
ـ وليحذر المعتدي من نكال الله به في الدنيا: قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ . أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ . وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ . تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ . فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (سورة الفيل).
فاللهم احفظ بيوتك من سفه السفهاء، ولا تؤاخذنا بما يفعلون.
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى