علم الملاحة عند المسلمين و العرب
الإثنين 14 أبريل 2014, 5:48 pm
يقوم علم الملاحة البحرية على ثلاثة مكونات أو ثلاث قواعد، الأول: وهو الوسيلة - أي: السفينة ، وقد أبدع العرب في صناعتها، والثاني: وهو علم الملاحة الفلكية، والذي هو الأساس في علم الملاحة البحرية، والثالث: وهو علم الملاحة البحرية، وهو العلم الذي يختص فيه معلمة البحر في السفينة؛ كابن ماجد وسليمان المهري، والمعلمة في المكانة عند العاملين في السفينة يحتل أسمى ألقاب العاملين في السفينة.
العلاقة بين الإنسان والبحر في ضوء القرآن الكريم:
البحر واحد من آيات الله الكونية، التي خلقها وسخرها لخدمة خليفته في الأرض وهو الإنسان. ومن الآيات الكريمة التي تشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 14]، وفي آية أخرى من آيات التسخير والتكليف للنجوم قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97]، وقوله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16].
بين علم الملاحة البحرية وعلم الملاحة الفلكية
ويستدل من هذا بأن علم الملاحة البحرية ما كان ليقوم لولا علم الملاحة الفلكية، وقد أبدع العرب والمسلمون في كلا العلمين، فكانوا من أصحاب السبق على غيرهم من الأمم في هذه العلوم، وأثروا بهذه العلوم أرفف المكتبات العالمية، بما خلفوه من آثار وتراث عظيم بهذه العلوم، فكانوا من أصحاب السبق بهذا، وخاصة في علم الفلك والنجوم.
ومن العلماء الذين برعوا في هذا الفن: أبو الفداء ملك حماة، والبيروني العالم المسلم، كما أتقنه معالمة البحار من المسلمين، في الوقت الذي كان مثل هذا العلم من المحرمات في المجتمع الأوروبي، بسبب سيادة الكنيسة وحربها للعلم، والتنكيل بأصحاب هذه العلوم. والمتتبع للمتون التي صاغها ابن ماجد والمهري في علوم الملاحة الفلكية يستطيع أن يتعرف على هذه المكانة العلمية التي ارتقى فيها هؤلاء وغيرهم من علماء المسلمين، فهم الذين صنعوا واكتشفوا الإبرة المغناطيسية، وهم الذين صنعوا الاصطرلاب، قبل أن يعرف البحارة الأوروبيون مثل هذه الوسائل.
العرب وصلتهم بالبحر قبل الإسلام
ارتبط العرب في تاريخهم القديم بالبحر والاستفادة منه، وقد واكبوا الحضارات الإنسانية القديمة في انفرادهم بعلم البحر إلا الفينيقيين الذين يُعتبرون نداً لهم، والذي ينسب لهم اكتشاف أمريكا الجنوبية قبل كولومبوس.
وثمة كثير من الدلائل والإشارات، التي تؤكد قِدَم علاقة العرب بالبحر، فهذا طرفة بن العبد يقول في معلقته:
كـــأن حـدوج المـالكيــة غـدوة *** خلايا سفين بالنواصف من دد
عدولية أو من سفين ابن يامنٍ *** يجور بها الملاح طوراً ويهتدي
وهذا هو الواقع في صلة العربي الجنوبي بالبحر إنما فرضه عليه الواقع الجغرافي لجزيرة العرب، التي يحيط بها البحر من جهات ثلاث، فكما أبدع العربي في اختراق الصحاري، كذلك أبدع في اكتشاف البحر والتكيف معه، وإن واقع البراهين هذه في علاقة العربي بالبحر تدحض المقولة المنسوبة إلى حكيم الفرس (أحيقار)، التي أراد فيها الاستخفاف بمكانة العرب، من خلال علاقتهم بالبحر، حيث قال: (لا تر العربي البحر. . ولا تر الصيدوني الصحراء).
فالصيدوني هو الفينيقي وابن صيدا اللبنانية اليوم، وإليه ينسب اكتشاف أمريكا قبل كولومبس، بعد ظهور العديد من الدراسات بذلك، مثل كتاب: (معذرة كولومبس فلم تكن أنت أول من اكتشف أمريكا) وكذلك ما تم التوصل إليه في ندوة علمية عقدت في ليبيا، نتج عنها عمل علمي ضخم جمع في كتاب عُنون بهذا الاسم: (أمريكا قبل اكتشاف كولومبس لها).
هذا وقد اهتم العديد من الباحثين الغربيين في التحقق من صحة ومصداقية علاقة العرب الجنوبيين بالبحر، وتواصلهم مع الشرق الأدنى، فكان منهم الباحث الفرنسي (Guillain) والذي أشار إلى سبق العرب في السيادة البحرية، على طرق الشرق الأدنى البحرية، فيقول: "قبض العرب منذ أقدم العصور على زمام المبادرة في التجارة البحرية، وخاصة مع الشرق، فكانت سفنهم تجري في المحيط الهندي، لا سيما فيما بين بلادهم والهند، والتي كان لهم على سواحلها جالية كبيرة، قرب مصب نهر السند، وهي التي كان الهنود يسمونها (ARABTTA)".
وكان لهذه السيادة العربية على طرق البحار الشرقية هذه في المحيط الهندي وبحر الصين الأثرُ الكبير في نشر الإسلام في تلك البلاد والمناطق النائية، بعد اعتناق العرب للإسلام، وإكرام الله لهم بحمل رسالته والدعوة إليه، وإن انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا إنما كان دعوة. تم فيها دحض افتراءات المستشرقين بأن الإسلام نُشر بالسيف.
المسلمون وعلوم الملاحة البحرية والفلكية
العرب هم مادة الإسلام وصناعته، أكرم الله العرب برسالة الإسلام، فكانوا أهلاً للتكريم هذا، وأهلاً لحمل الأمانة، وكان لسبق العرب فيما قبل الإسلام بعلوم البحار وعلوم الفلك؛ السبب المباشر في تنمية هذين العلمين والاهتمام بهما، لا سيما وأن العربي فيما قبل الإسلام كان عندما يركب البحر كان يركبه بقصد التجارة.
ومع اعتناق العربي الإسلام أصبح ركوب البحر بالنسبة له يمثل التجارة الرابحة في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام، والشواهد على ذلك كثيرة، ومنها:
- فتح الأندلس على يد طارق بن زياد رحمه الله.
- غزوة قبرص ومعركة المسلمين البحرية مع الروم، والتي عُرفت بذات الصواري في عهد سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
حروب العلاء بن الحضرمي على شواطئ الخليج العربي الشرقية، ووصوله حدود غربي الهند.
- يتوج ذلك كله الكيفية التي انتشر فيها الإسلام، في سواحل شرق إفريقيا، وبلاد الهند والصين وأندونيسيا والفلبين.
وإلى هذا أشار الباحث الغربي بودلي (R. V. C Bodly) في كتابه (الرسول) (The Messenger)، بالقول:
"وكان أهل حضرموت رحالةً وتجاراً عظاماً، وإن اعتناقهم الإسلام سيكون من نتيجته كما قدّر محمد صلى الله عليه وسلم انتشاره خارج جزيرة العرب، فلقد نشر هؤلاء الإسلام في كل من الملايو وجاوه والفلبين وشواطئ الصين".
فجميع الوثائق الصينية ومصادر تاريخ تلك المنطقة تشير إلى مراكب سكان غرب المحيط الهندي، والمراد بهم المسلمون والعرب، والتي كانت تُشاهد في ميناء (كانتون) الصيني، منذ عام 51هـ /671م، وما أن حلّ عام 101هـ /720م حتى كانت هذه المراكب شيئاً مألوفاً في تلك المناطق، بعد أن ساد معظمها اعتناق الإسلام من أهلها، ومن الموانئ العربية التي ارتبطت تجارياً في شرق إفريقيا والشرق الأدنى ميناء (صحار) في عُمان، والمكلا في حضرموت، وميناء (مخا) في اليمن، والذي كانت مكانته فيما قبل الإسلام وفيما بعده عاليةً جداً.
ومن الآثار الإسلامية التي وثقت صلة المسلمين في علوم البحار ونجاحهم فيه، ما أشار له ابن خردذابة الجغرافي المسلم المتوفّى سنة (300هـ)، وبعده ابن بطوطة، وكذلك سليمان السيرافي الذي زار الشرق، فوصل إلى الصين سنة 277هـ.
ويلحق بهم المقدسي 375هـ / 985م الرحالة والجغرافي العربي، فتكلم وذكر عن مهارة البحارة العرب، في أخطر بحار العالم، في كل من البحر الأحمر وخليج عدن، أو الخليج البربري، كما كان يعرف من قبل، حيث قال: "ورأيتهم من أبصر الناس به، وبمراسيه، ورياحه، وجزائره، فسألتهم عن أسبابه، وحدوده، ورأيت معهم دفاتر في ذلك يتدارسونها ويعولون عليها، ويعملون بها".
فهذه الدفاتر هي بمثابة دلائل للبحارة يعملون بإرشاداتها. وممن عُرف من المؤلفين السابقين لهذه الدلائل، كان ما أشار إليه ابن ماجد، فقد أشار إلى كتاب بحري يعود للعصر العباسي، وكانت متداولاً بين البحارة في زمانه وقد ألّفه من أسماهم ابن ماجد بالليوث الثلاثة، وهم: (محمد بن شاذان، وسهل بن أبان، وليث بن كهلان)، وأشار ابن ماجد، إلى أنه كان قد اطلع على نسخة، كتبت بخط إسماعيل بن حسن بن سهل بن أبان، حفيد سهل بن أبان، أحد مؤلفي الكتاب، ويرجع تاريخ نسخها إلى سنة 580هـ.
ثم تُوجت هذه العلاقة فيما بين المسلمين وعلوم الملاحة بمولد المعلمة البحري، شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر السعدي، والذي عاش ما بين سنتي (825هـ- 906هـ/ 1421م- 1501م)، الذي ترك آثاراً خالدة في علم الملاحة، المعتمدة في أسسها وأصولها على علم الملاحة الفلكية. ثم تلاه المعلمة سليمان المهري، الذي واصل عطاء ابن ماجد في علم الملاحة البحرية.
هذا ولا يغيب عنا أن البحارة المسلمين كانوا يستخدمون في الاستدلال الأخنان، والأخنان هي علم منازل البروج والأفلاك، قبل اكتشافهم للإبرة المغناطيسية واستخدامهم لها، وعلى علم الأخنان هذا صنع العرب الاصطرلاب، الذي كانوا يسترشدون به.
وقد وردت الأخنان هذه وتسميتها في كتاب (الليوث الثلاثة) لابن ماجد فقد جاء في كتابه:
وهذه الأنجم والأخنان عند العرب تقريب يا ربان
إياك أن تجري عليها بالنظر في موضع فيه مضيق وخطر
فكواكب الأخنان عند العرب سبعة عشر كوكباً، وهناك الأنصاف، وهناك الأرباع، وكسور الأخنان.
ومن العلوم المساندة لعلم الملاحة البحرية والتي جاد فيها العرب المسلمون؛ هو علم الرياح ومواسم السفر في أيامها، ويلحق في هذه العلوم علم العلامات والإشارات والمواقع، والتي كان البحارة ينزلون فيها ويتزودون منها، إلى غير ذلك من الوسائل والعلوم المساندة.
إن علم الملاحة والعلوم المساندة له يُعدّ مفخرة للعرب والمسلمين، ومن خلال عملي في هذه الدراسة استفدت من مخطوطة ابن ماجد التي حققها الباحث إبراهيم خوري والموجودة في المكتبة الظاهرية بدمشق عام 1971م، وكذلك ما كتبه المحقق اليمني حسن صالح شهاب الذي حقق وألّف أكثر من 12 عملاً معنياً بعلوم الفلك وعلوم البحار، والباحثان يحظيان بمكانة عالية في المراكز العلمية المعنية خاصة في دول الخليج العربي.
عبد الكريم السمك
العلاقة بين الإنسان والبحر في ضوء القرآن الكريم:
البحر واحد من آيات الله الكونية، التي خلقها وسخرها لخدمة خليفته في الأرض وهو الإنسان. ومن الآيات الكريمة التي تشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 14]، وفي آية أخرى من آيات التسخير والتكليف للنجوم قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97]، وقوله تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16].
بين علم الملاحة البحرية وعلم الملاحة الفلكية
ويستدل من هذا بأن علم الملاحة البحرية ما كان ليقوم لولا علم الملاحة الفلكية، وقد أبدع العرب والمسلمون في كلا العلمين، فكانوا من أصحاب السبق على غيرهم من الأمم في هذه العلوم، وأثروا بهذه العلوم أرفف المكتبات العالمية، بما خلفوه من آثار وتراث عظيم بهذه العلوم، فكانوا من أصحاب السبق بهذا، وخاصة في علم الفلك والنجوم.
ومن العلماء الذين برعوا في هذا الفن: أبو الفداء ملك حماة، والبيروني العالم المسلم، كما أتقنه معالمة البحار من المسلمين، في الوقت الذي كان مثل هذا العلم من المحرمات في المجتمع الأوروبي، بسبب سيادة الكنيسة وحربها للعلم، والتنكيل بأصحاب هذه العلوم. والمتتبع للمتون التي صاغها ابن ماجد والمهري في علوم الملاحة الفلكية يستطيع أن يتعرف على هذه المكانة العلمية التي ارتقى فيها هؤلاء وغيرهم من علماء المسلمين، فهم الذين صنعوا واكتشفوا الإبرة المغناطيسية، وهم الذين صنعوا الاصطرلاب، قبل أن يعرف البحارة الأوروبيون مثل هذه الوسائل.
العرب وصلتهم بالبحر قبل الإسلام
ارتبط العرب في تاريخهم القديم بالبحر والاستفادة منه، وقد واكبوا الحضارات الإنسانية القديمة في انفرادهم بعلم البحر إلا الفينيقيين الذين يُعتبرون نداً لهم، والذي ينسب لهم اكتشاف أمريكا الجنوبية قبل كولومبوس.
وثمة كثير من الدلائل والإشارات، التي تؤكد قِدَم علاقة العرب بالبحر، فهذا طرفة بن العبد يقول في معلقته:
كـــأن حـدوج المـالكيــة غـدوة *** خلايا سفين بالنواصف من دد
عدولية أو من سفين ابن يامنٍ *** يجور بها الملاح طوراً ويهتدي
وهذا هو الواقع في صلة العربي الجنوبي بالبحر إنما فرضه عليه الواقع الجغرافي لجزيرة العرب، التي يحيط بها البحر من جهات ثلاث، فكما أبدع العربي في اختراق الصحاري، كذلك أبدع في اكتشاف البحر والتكيف معه، وإن واقع البراهين هذه في علاقة العربي بالبحر تدحض المقولة المنسوبة إلى حكيم الفرس (أحيقار)، التي أراد فيها الاستخفاف بمكانة العرب، من خلال علاقتهم بالبحر، حيث قال: (لا تر العربي البحر. . ولا تر الصيدوني الصحراء).
فالصيدوني هو الفينيقي وابن صيدا اللبنانية اليوم، وإليه ينسب اكتشاف أمريكا قبل كولومبس، بعد ظهور العديد من الدراسات بذلك، مثل كتاب: (معذرة كولومبس فلم تكن أنت أول من اكتشف أمريكا) وكذلك ما تم التوصل إليه في ندوة علمية عقدت في ليبيا، نتج عنها عمل علمي ضخم جمع في كتاب عُنون بهذا الاسم: (أمريكا قبل اكتشاف كولومبس لها).
هذا وقد اهتم العديد من الباحثين الغربيين في التحقق من صحة ومصداقية علاقة العرب الجنوبيين بالبحر، وتواصلهم مع الشرق الأدنى، فكان منهم الباحث الفرنسي (Guillain) والذي أشار إلى سبق العرب في السيادة البحرية، على طرق الشرق الأدنى البحرية، فيقول: "قبض العرب منذ أقدم العصور على زمام المبادرة في التجارة البحرية، وخاصة مع الشرق، فكانت سفنهم تجري في المحيط الهندي، لا سيما فيما بين بلادهم والهند، والتي كان لهم على سواحلها جالية كبيرة، قرب مصب نهر السند، وهي التي كان الهنود يسمونها (ARABTTA)".
وكان لهذه السيادة العربية على طرق البحار الشرقية هذه في المحيط الهندي وبحر الصين الأثرُ الكبير في نشر الإسلام في تلك البلاد والمناطق النائية، بعد اعتناق العرب للإسلام، وإكرام الله لهم بحمل رسالته والدعوة إليه، وإن انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا إنما كان دعوة. تم فيها دحض افتراءات المستشرقين بأن الإسلام نُشر بالسيف.
المسلمون وعلوم الملاحة البحرية والفلكية
العرب هم مادة الإسلام وصناعته، أكرم الله العرب برسالة الإسلام، فكانوا أهلاً للتكريم هذا، وأهلاً لحمل الأمانة، وكان لسبق العرب فيما قبل الإسلام بعلوم البحار وعلوم الفلك؛ السبب المباشر في تنمية هذين العلمين والاهتمام بهما، لا سيما وأن العربي فيما قبل الإسلام كان عندما يركب البحر كان يركبه بقصد التجارة.
ومع اعتناق العربي الإسلام أصبح ركوب البحر بالنسبة له يمثل التجارة الرابحة في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام، والشواهد على ذلك كثيرة، ومنها:
- فتح الأندلس على يد طارق بن زياد رحمه الله.
- غزوة قبرص ومعركة المسلمين البحرية مع الروم، والتي عُرفت بذات الصواري في عهد سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
حروب العلاء بن الحضرمي على شواطئ الخليج العربي الشرقية، ووصوله حدود غربي الهند.
- يتوج ذلك كله الكيفية التي انتشر فيها الإسلام، في سواحل شرق إفريقيا، وبلاد الهند والصين وأندونيسيا والفلبين.
وإلى هذا أشار الباحث الغربي بودلي (R. V. C Bodly) في كتابه (الرسول) (The Messenger)، بالقول:
"وكان أهل حضرموت رحالةً وتجاراً عظاماً، وإن اعتناقهم الإسلام سيكون من نتيجته كما قدّر محمد صلى الله عليه وسلم انتشاره خارج جزيرة العرب، فلقد نشر هؤلاء الإسلام في كل من الملايو وجاوه والفلبين وشواطئ الصين".
فجميع الوثائق الصينية ومصادر تاريخ تلك المنطقة تشير إلى مراكب سكان غرب المحيط الهندي، والمراد بهم المسلمون والعرب، والتي كانت تُشاهد في ميناء (كانتون) الصيني، منذ عام 51هـ /671م، وما أن حلّ عام 101هـ /720م حتى كانت هذه المراكب شيئاً مألوفاً في تلك المناطق، بعد أن ساد معظمها اعتناق الإسلام من أهلها، ومن الموانئ العربية التي ارتبطت تجارياً في شرق إفريقيا والشرق الأدنى ميناء (صحار) في عُمان، والمكلا في حضرموت، وميناء (مخا) في اليمن، والذي كانت مكانته فيما قبل الإسلام وفيما بعده عاليةً جداً.
ومن الآثار الإسلامية التي وثقت صلة المسلمين في علوم البحار ونجاحهم فيه، ما أشار له ابن خردذابة الجغرافي المسلم المتوفّى سنة (300هـ)، وبعده ابن بطوطة، وكذلك سليمان السيرافي الذي زار الشرق، فوصل إلى الصين سنة 277هـ.
ويلحق بهم المقدسي 375هـ / 985م الرحالة والجغرافي العربي، فتكلم وذكر عن مهارة البحارة العرب، في أخطر بحار العالم، في كل من البحر الأحمر وخليج عدن، أو الخليج البربري، كما كان يعرف من قبل، حيث قال: "ورأيتهم من أبصر الناس به، وبمراسيه، ورياحه، وجزائره، فسألتهم عن أسبابه، وحدوده، ورأيت معهم دفاتر في ذلك يتدارسونها ويعولون عليها، ويعملون بها".
فهذه الدفاتر هي بمثابة دلائل للبحارة يعملون بإرشاداتها. وممن عُرف من المؤلفين السابقين لهذه الدلائل، كان ما أشار إليه ابن ماجد، فقد أشار إلى كتاب بحري يعود للعصر العباسي، وكانت متداولاً بين البحارة في زمانه وقد ألّفه من أسماهم ابن ماجد بالليوث الثلاثة، وهم: (محمد بن شاذان، وسهل بن أبان، وليث بن كهلان)، وأشار ابن ماجد، إلى أنه كان قد اطلع على نسخة، كتبت بخط إسماعيل بن حسن بن سهل بن أبان، حفيد سهل بن أبان، أحد مؤلفي الكتاب، ويرجع تاريخ نسخها إلى سنة 580هـ.
ثم تُوجت هذه العلاقة فيما بين المسلمين وعلوم الملاحة بمولد المعلمة البحري، شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر السعدي، والذي عاش ما بين سنتي (825هـ- 906هـ/ 1421م- 1501م)، الذي ترك آثاراً خالدة في علم الملاحة، المعتمدة في أسسها وأصولها على علم الملاحة الفلكية. ثم تلاه المعلمة سليمان المهري، الذي واصل عطاء ابن ماجد في علم الملاحة البحرية.
هذا ولا يغيب عنا أن البحارة المسلمين كانوا يستخدمون في الاستدلال الأخنان، والأخنان هي علم منازل البروج والأفلاك، قبل اكتشافهم للإبرة المغناطيسية واستخدامهم لها، وعلى علم الأخنان هذا صنع العرب الاصطرلاب، الذي كانوا يسترشدون به.
وقد وردت الأخنان هذه وتسميتها في كتاب (الليوث الثلاثة) لابن ماجد فقد جاء في كتابه:
وهذه الأنجم والأخنان عند العرب تقريب يا ربان
إياك أن تجري عليها بالنظر في موضع فيه مضيق وخطر
فكواكب الأخنان عند العرب سبعة عشر كوكباً، وهناك الأنصاف، وهناك الأرباع، وكسور الأخنان.
ومن العلوم المساندة لعلم الملاحة البحرية والتي جاد فيها العرب المسلمون؛ هو علم الرياح ومواسم السفر في أيامها، ويلحق في هذه العلوم علم العلامات والإشارات والمواقع، والتي كان البحارة ينزلون فيها ويتزودون منها، إلى غير ذلك من الوسائل والعلوم المساندة.
إن علم الملاحة والعلوم المساندة له يُعدّ مفخرة للعرب والمسلمين، ومن خلال عملي في هذه الدراسة استفدت من مخطوطة ابن ماجد التي حققها الباحث إبراهيم خوري والموجودة في المكتبة الظاهرية بدمشق عام 1971م، وكذلك ما كتبه المحقق اليمني حسن صالح شهاب الذي حقق وألّف أكثر من 12 عملاً معنياً بعلوم الفلك وعلوم البحار، والباحثان يحظيان بمكانة عالية في المراكز العلمية المعنية خاصة في دول الخليج العربي.
عبد الكريم السمك
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى