ياسر برهامى يتعرض لحملة مسعورة
الخميس 24 أبريل 2014, 6:02 pm
قال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية : إن هناك تعمّدًا في تشويه الفتوى التي نشرها على موقع "أنا السلفي" التابع للدعوة السلفية، وقال برهامي، لـ"الوطن": "يجب الدفع عن العرض حال احتمال الدفع، وهذا الذي دل عليه الحديث : (من قُتل دون عرضه فهو شهيد)، أما إذا كانت الحالة أنه يقتل وتغتصب زوجته فلا يجب عليه الدفع في هذه الحالة لأن تخفيف أحد المصيبتين أولى من جمعهما عليه".
وأضاف: "سيدنا إبراهيم لما جاء إلى مصر، وطلب الجبار امرأته سارة فقال إنها أختي، ويقصد أنها أخته في الإسلام، حتى لا يُقتل وتُؤخذ، ووقف يصلي ويدعو الله أن ينجيها وقد نجاها الله".
وقال في كتاب طليعة الشرح الأزهر ص 219 :
ثالثًا : حكم دفع الصائل عن العرض:
(أ) فقد أجمع الفقهاء ([1]) على أنه يجب على الرجل دفع الصائل على عرض - أي : بضع- أهله ، أو غير أهله ؛ لأنه لا سبيل إلى إباحته ، فيأثم الإنسان بتركه ، قال شـيخ الإسلام رحمه الله :"فإن دفع الصائل على الحرمة واجب بلا نزاع".([2])
ومثل الزنا بالبضع في الحكم مقدماته في وجوب الدفع حتى لو أدى إلى قتل الصائل فلا ضمان عليه ، وإن قتل الدافع بسبب ذلك فهو شهيد، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُو شَهِيدٌ" ([3])، ولما في ذلك من حقه وحق الله تعالى - وهو منع الفاحشة - ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "انْصُـرْ أَخَاكَ ظَالِمًا، أو مَظْلُومًا". ([4])
إلا أن الشافعية شـرطوا لوجوب الدفاع عن عرضه وعرض غيره : أن لا يخاف الدافع على نفسه ، أو عضو من أعضائه ، أو على منفعة من منافع أعضائه ، قال في حاشـية البجيرمي : "لو فرض صيال على مال وبضع ونفس ، قدم الدفع عن النفس ثم البضع ثم المال الأخطر فالأخطر". ([5])
(ب) أما المرأة المصول عليها من أجل الزنا بها ، فيجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك ؛ لأن التمكين منها محرم ، وفي ترك الدفع نوع تمكين ، فإذا قتلت الصائل - ولم يكن يندفع إلا بالقتل - فلا تضمنه بقصاص ولا دية ؛ لما روي أن رجلًا أضاف ناسًا من هذيل، فأراد امرأة على نفسها ، فرمته بحجر فقتلته ، فقال عمر رضي الله عنه : "والله لا يودى أبدًا " وللحديث قبل السابق .
قال شـيخ الإسلام رحمه الله :" وأما إذا كان مطلوبه [أي : الصائل] الحرمة – مثل
أن يطلب الزنا بمحارم الإنسان ، أو يطلب من المرأة ، أو الصبي المملوك ، أو غيره الفجور به ؛ فإنه يجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن ولو بالقتال ، ولا يجوز التمكين منه بحال ؛ بخلاف المال فإنه يجوز التمكين منه؛ لأن بذل المال جائز وبذل الفجور بالنفس ، أو بالحرمة غير جائز". ([6])
وقال رحمه الله : ولو استكره المجنون امرأة على نفسها، ولم يندفع إلا بقتله، فلها قتله، بل عليها ذلك بالسنة واتفاق أهل العلم". ([7])
وقال في طليعة الشرح الأزهر أيضًا ص 148:
قصة إبراهيم عليه السلام مع الجبار وتوجيه أهل العلم لها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام قَطُّ ، إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ :
ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ : قَوْلُهُ : إِنِّي سَقِيمٌ ، وَقَوْلُهُ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا .
وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ ؛ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ ، فَقَالَ لَهَا إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ ؛ فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي ؛ فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ .
فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ أَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِيَ بِهَا ، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ S إِلَى الصَّلَاةِ .
فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً ، فَقَالَ لَهَا : ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلَا أَضـركِ ، فَفَعَلَتْ فَعَادَ ،فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنْ الْقَبْضَةِ الْأُولَى ، فَقَالَ لَهَا مِثْــــــــلَ ذَلِكَ ، فَفَعَلَـــــتْ فَعَادَ ، فَقُبِضَـتْ أَشَــــــدَّ مِنْ الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، فَقَــالَ ادْعِــي اللَّهَ أَنْ يُطْــلِق يَدِي فَلَكِ اللَّهَ أَنْ لَا أَضـركِ ، فَفَعَلَتْ وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ ، وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشـيطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضـي وَأَعْطِهَا هَاجَرَ .
قَالَ : فَأَقْبَلَتْ تَمْشـي فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام انْصـرفَ ، فَقَالَ لَهَا : مَهْيَمْ؟ قَالَتْ : خَيْرًا كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ" .(*)
قال النووي رحمه الله : "قال العلماء : والواحدة التي في شأن سارة هي أيضًا في ذات الله تعالى ؛ لأنها سبب دفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة " . (**)
وقال ابن حجر رحمه الله: "واختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه الوصية مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها ، أختًا كانت أو زوجة .
فقيل كان من دين ذلك الملك أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج ،كذا قيل ، ويحتاج إلى تتمة وهو أن إبراهيم أراد دفع أعظم الضـررين بارتكاب أخفهما ؛ وذلك أن اغتصاب الملك
إياها واقع لا محالة ، لكن إن علم أن لها زوجًا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه أو حبسه وإضـراره ، بخلاف ما إذا علم أن لها أخًا فإن الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الملك فلا يبالي به .
وقيل أراد إن علم أنك امرأتي ألزمني بالطلاق ، والتقرير الذي قررته جاء صـريحًا عن وهب بن منبه فيما أخرجه عبد بن حميد في تفسـيره من طريقه .
وقيل كان من دين الملك أن الأخ أحق بأن تكون أخته زوجته من غيره ؛ فلذلك قال هي أختي اعتمادًا على ما يعتقده الجبار فلا ينازعه فيها .
وتعقب بأنه لو كان كذلك لقال هي أختي وأنا زوجها ، فلم اقتصـر على قوله هي أختي؟ وأيضًا فالجواب إنما يفيد لو كان الجبار يريد أن يتزوجها لا أن يغتصبها على نفسها .
وذكر المنذري في حاشـية السنن عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأي الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها ؛ فلذلك قال إبراهيم هي أختي ؛ لأنه إن كان عادلًا خطبها منه ثم يرجو مدافعته عنها ، وإن كان ظالمًا خلص من القتل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)البخاري (2217) ، و مسلم (2371) واللفظ له .
(**)شـرح النووي على مسلم (15/ 124 ، 125) .
وليس هذا ببعيد مما قررته أولًا ، وهذا أخذ من كلام ابن الجوزي في مشكل الصحيحين ؛ فإنه نقله عن بعض علماء أهل الكتاب أنه سأله عن ذلك فأجاب به ". (*)
ونقل القسطلاني رحمه الله توجيه ابن حجر في إرشاد الساري (5/ 349) .
وقال القاري رحمه الله : "ثم قيل: كان من أمر ذلك الجبار الذي يتدين به في الأحكام السـياسـية أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج ، ويرى أنها إذا اختارت الزوج ، فليس لها أن تمتنع من السلطان ، بل يكون هو أحق بها من زوجها ، فأما اللاتي لا أزواج لهن ، فلا سبيل عليهن إلا إذا رضـين ، ويحتمل أن يكون المراد أنه إن علم ذلك ألزمني بالطلاق ، أو قصد قتلي حرصًا عليك ، وقيل: لأن دين الملك أن لا يحل له التزوج والتمتع بقرابات الأنبياء ". (**)
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "وإنما يجب الصبر على شدة الآلام إذا تضمن الصبر على شدتها بقاء الحياة " . (***)
وقال ابن حجر رحمه الله عن دعاء سارة : "وقوله : (فدعت) من الدعاء في رواية الأعرج المذكورة ولفظه :" فقالت اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر"، ويجاب عن قولها : (إن كنت) مع كونها قاطعة بأنه يعلم ذلك بأنها ذكرته على سبيل الفرض هضمًا لنفسها " . (****)
فلو تيقن الإنسان في مثل هذه الحالة أنه سـيقتل ، وأنه لن يستطيع الدفع ففي هذه الحالة تُقدّم النفس على العرض فلا يُقاتل دون عرضه ، وقواعد الشـريعة تقتضـي ذلك وكذلك النصوص ، بخلاف ما لو كان هناك احتمال للدفع كأن يقاتل حتى يهربوا ويتركوا عرضه فإنه يجب الدفع والقتال دون العرض ، حتى لو قتل في هذه الحالة .
وقال أيضًا ص 197 :
ثانياً : ترتيب الضـروريات الأخرى : اتفق الأصوليون الذين رتبوا هذه المقاصد على تقديم النفس على غيرها من الضـروريات الأخرى.
أما تقديم "حفظ النفس على حفظ النسب والعقل والمال لتضمنه المصالح الدينية لأنها إنما تحصل بالعبادات وحصولها موقوف على بقاء النفس". ([8])
ولأن حفظ النسب إنما كان مقصودًا لأجل حفظ الولد حتى لا يبقى ضائعًا لا مربي له ، فلم يكن مطلوبًا لعينه (بل لإفضائه إلى النفس ، وأما بالنظر إلى المال ، فلهذا المعنى أيضًا فإنه فلم يكن بقاؤه مطلوبًا لعينه) وذاته ، بل لأجل بقاء النفس مرفهة منعمة حتى تأتي بوظائف التكاليف وأعباء العبادات". ([9])
قال العز بن عبد السلام رحمه الله :"فكان صون النفس مقدمًا على صون البضع ، لأن ما يفوت بفوات الأرواح أعظم مما يفوت بفوات الأبضاع".([10])
وتقدم النفس على العقل ، قال العز بن عبد السلام رحمه الله :"شـرب الخمر مفسدة محرمة ، لكنه جائز بالإكراه ؛ لأن حفظ النفوس والأطراف أولى من حفظ العقول في زمن قليل ؛ ولأن فوات النفوس والأطراف دائم ، وزوال العقول يرتفع عن قريب بالصحو".([11])
وقال الآمدي رحمه الله :"فمن جهة أن النفس أصل والعقل تبع ؛ فالمحافظة على الأصل أولى ؛ ولأن ما يفضـي إلى فوات النفس على تقدير أفضليته يفوتها مطلقًا ، وما يفضـي إلى تفويت العقل كشـرب المسكر لا يفضـي إلى فواته مطلقًا".([12])
.................
كتاب طليعة الشرح الأزهر لرسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفضيلة الدكتور ياسر برهامي ، إعداد أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم .
([1])النووي على مسلم (2/165) .
([2]) الاستقامة (2/ 327) .
([3])رواه الترمذي (1421) ، النسائي (4095) ، أبو داود (4772) ، أحمد (1655) ، وصححه الألباني في المشكاة (3529) ، وفي الإرواء (708) وغيرهما.
([4])رواه البخاري 2443) ، الترمذي (2255) ، أحمد (11538).
([5]) حاشية البجيرمي على الخطيب (4/ 219).
([6]) مجموع الفتاوى (28/ 319) .
([7]) منهاج السنة النبوية (6/ 46).
([8]) التقرير والتحبير (3/ 231).
([9]) الإحكام (4/ 276).
([10]) قواعد الأحكام (1/ 74).
([11]) قواعد الأحكام (1/ 103،104).
([12]) الإحكام (4/ 276) ، وانظر فقه الأولويات ( 199) .
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي
وأضاف: "سيدنا إبراهيم لما جاء إلى مصر، وطلب الجبار امرأته سارة فقال إنها أختي، ويقصد أنها أخته في الإسلام، حتى لا يُقتل وتُؤخذ، ووقف يصلي ويدعو الله أن ينجيها وقد نجاها الله".
وقال في كتاب طليعة الشرح الأزهر ص 219 :
ثالثًا : حكم دفع الصائل عن العرض:
(أ) فقد أجمع الفقهاء ([1]) على أنه يجب على الرجل دفع الصائل على عرض - أي : بضع- أهله ، أو غير أهله ؛ لأنه لا سبيل إلى إباحته ، فيأثم الإنسان بتركه ، قال شـيخ الإسلام رحمه الله :"فإن دفع الصائل على الحرمة واجب بلا نزاع".([2])
ومثل الزنا بالبضع في الحكم مقدماته في وجوب الدفع حتى لو أدى إلى قتل الصائل فلا ضمان عليه ، وإن قتل الدافع بسبب ذلك فهو شهيد، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُو شَهِيدٌ" ([3])، ولما في ذلك من حقه وحق الله تعالى - وهو منع الفاحشة - ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "انْصُـرْ أَخَاكَ ظَالِمًا، أو مَظْلُومًا". ([4])
إلا أن الشافعية شـرطوا لوجوب الدفاع عن عرضه وعرض غيره : أن لا يخاف الدافع على نفسه ، أو عضو من أعضائه ، أو على منفعة من منافع أعضائه ، قال في حاشـية البجيرمي : "لو فرض صيال على مال وبضع ونفس ، قدم الدفع عن النفس ثم البضع ثم المال الأخطر فالأخطر". ([5])
(ب) أما المرأة المصول عليها من أجل الزنا بها ، فيجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك ؛ لأن التمكين منها محرم ، وفي ترك الدفع نوع تمكين ، فإذا قتلت الصائل - ولم يكن يندفع إلا بالقتل - فلا تضمنه بقصاص ولا دية ؛ لما روي أن رجلًا أضاف ناسًا من هذيل، فأراد امرأة على نفسها ، فرمته بحجر فقتلته ، فقال عمر رضي الله عنه : "والله لا يودى أبدًا " وللحديث قبل السابق .
قال شـيخ الإسلام رحمه الله :" وأما إذا كان مطلوبه [أي : الصائل] الحرمة – مثل
أن يطلب الزنا بمحارم الإنسان ، أو يطلب من المرأة ، أو الصبي المملوك ، أو غيره الفجور به ؛ فإنه يجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن ولو بالقتال ، ولا يجوز التمكين منه بحال ؛ بخلاف المال فإنه يجوز التمكين منه؛ لأن بذل المال جائز وبذل الفجور بالنفس ، أو بالحرمة غير جائز". ([6])
وقال رحمه الله : ولو استكره المجنون امرأة على نفسها، ولم يندفع إلا بقتله، فلها قتله، بل عليها ذلك بالسنة واتفاق أهل العلم". ([7])
وقال في طليعة الشرح الأزهر أيضًا ص 148:
قصة إبراهيم عليه السلام مع الجبار وتوجيه أهل العلم لها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام قَطُّ ، إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ :
ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ : قَوْلُهُ : إِنِّي سَقِيمٌ ، وَقَوْلُهُ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا .
وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ ؛ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ ، فَقَالَ لَهَا إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ ؛ فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي ؛ فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ .
فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ أَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِيَ بِهَا ، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ S إِلَى الصَّلَاةِ .
فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً ، فَقَالَ لَهَا : ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلَا أَضـركِ ، فَفَعَلَتْ فَعَادَ ،فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنْ الْقَبْضَةِ الْأُولَى ، فَقَالَ لَهَا مِثْــــــــلَ ذَلِكَ ، فَفَعَلَـــــتْ فَعَادَ ، فَقُبِضَـتْ أَشَــــــدَّ مِنْ الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، فَقَــالَ ادْعِــي اللَّهَ أَنْ يُطْــلِق يَدِي فَلَكِ اللَّهَ أَنْ لَا أَضـركِ ، فَفَعَلَتْ وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ ، وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشـيطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضـي وَأَعْطِهَا هَاجَرَ .
قَالَ : فَأَقْبَلَتْ تَمْشـي فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام انْصـرفَ ، فَقَالَ لَهَا : مَهْيَمْ؟ قَالَتْ : خَيْرًا كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ" .(*)
قال النووي رحمه الله : "قال العلماء : والواحدة التي في شأن سارة هي أيضًا في ذات الله تعالى ؛ لأنها سبب دفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة " . (**)
وقال ابن حجر رحمه الله: "واختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه الوصية مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها ، أختًا كانت أو زوجة .
فقيل كان من دين ذلك الملك أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج ،كذا قيل ، ويحتاج إلى تتمة وهو أن إبراهيم أراد دفع أعظم الضـررين بارتكاب أخفهما ؛ وذلك أن اغتصاب الملك
إياها واقع لا محالة ، لكن إن علم أن لها زوجًا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه أو حبسه وإضـراره ، بخلاف ما إذا علم أن لها أخًا فإن الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الملك فلا يبالي به .
وقيل أراد إن علم أنك امرأتي ألزمني بالطلاق ، والتقرير الذي قررته جاء صـريحًا عن وهب بن منبه فيما أخرجه عبد بن حميد في تفسـيره من طريقه .
وقيل كان من دين الملك أن الأخ أحق بأن تكون أخته زوجته من غيره ؛ فلذلك قال هي أختي اعتمادًا على ما يعتقده الجبار فلا ينازعه فيها .
وتعقب بأنه لو كان كذلك لقال هي أختي وأنا زوجها ، فلم اقتصـر على قوله هي أختي؟ وأيضًا فالجواب إنما يفيد لو كان الجبار يريد أن يتزوجها لا أن يغتصبها على نفسها .
وذكر المنذري في حاشـية السنن عن بعض أهل الكتاب أنه كان من رأي الجبار المذكور أن من كانت متزوجة لا يقربها حتى يقتل زوجها ؛ فلذلك قال إبراهيم هي أختي ؛ لأنه إن كان عادلًا خطبها منه ثم يرجو مدافعته عنها ، وإن كان ظالمًا خلص من القتل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)البخاري (2217) ، و مسلم (2371) واللفظ له .
(**)شـرح النووي على مسلم (15/ 124 ، 125) .
وليس هذا ببعيد مما قررته أولًا ، وهذا أخذ من كلام ابن الجوزي في مشكل الصحيحين ؛ فإنه نقله عن بعض علماء أهل الكتاب أنه سأله عن ذلك فأجاب به ". (*)
ونقل القسطلاني رحمه الله توجيه ابن حجر في إرشاد الساري (5/ 349) .
وقال القاري رحمه الله : "ثم قيل: كان من أمر ذلك الجبار الذي يتدين به في الأحكام السـياسـية أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج ، ويرى أنها إذا اختارت الزوج ، فليس لها أن تمتنع من السلطان ، بل يكون هو أحق بها من زوجها ، فأما اللاتي لا أزواج لهن ، فلا سبيل عليهن إلا إذا رضـين ، ويحتمل أن يكون المراد أنه إن علم ذلك ألزمني بالطلاق ، أو قصد قتلي حرصًا عليك ، وقيل: لأن دين الملك أن لا يحل له التزوج والتمتع بقرابات الأنبياء ". (**)
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "وإنما يجب الصبر على شدة الآلام إذا تضمن الصبر على شدتها بقاء الحياة " . (***)
وقال ابن حجر رحمه الله عن دعاء سارة : "وقوله : (فدعت) من الدعاء في رواية الأعرج المذكورة ولفظه :" فقالت اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر"، ويجاب عن قولها : (إن كنت) مع كونها قاطعة بأنه يعلم ذلك بأنها ذكرته على سبيل الفرض هضمًا لنفسها " . (****)
فلو تيقن الإنسان في مثل هذه الحالة أنه سـيقتل ، وأنه لن يستطيع الدفع ففي هذه الحالة تُقدّم النفس على العرض فلا يُقاتل دون عرضه ، وقواعد الشـريعة تقتضـي ذلك وكذلك النصوص ، بخلاف ما لو كان هناك احتمال للدفع كأن يقاتل حتى يهربوا ويتركوا عرضه فإنه يجب الدفع والقتال دون العرض ، حتى لو قتل في هذه الحالة .
وقال أيضًا ص 197 :
ثانياً : ترتيب الضـروريات الأخرى : اتفق الأصوليون الذين رتبوا هذه المقاصد على تقديم النفس على غيرها من الضـروريات الأخرى.
أما تقديم "حفظ النفس على حفظ النسب والعقل والمال لتضمنه المصالح الدينية لأنها إنما تحصل بالعبادات وحصولها موقوف على بقاء النفس". ([8])
ولأن حفظ النسب إنما كان مقصودًا لأجل حفظ الولد حتى لا يبقى ضائعًا لا مربي له ، فلم يكن مطلوبًا لعينه (بل لإفضائه إلى النفس ، وأما بالنظر إلى المال ، فلهذا المعنى أيضًا فإنه فلم يكن بقاؤه مطلوبًا لعينه) وذاته ، بل لأجل بقاء النفس مرفهة منعمة حتى تأتي بوظائف التكاليف وأعباء العبادات". ([9])
قال العز بن عبد السلام رحمه الله :"فكان صون النفس مقدمًا على صون البضع ، لأن ما يفوت بفوات الأرواح أعظم مما يفوت بفوات الأبضاع".([10])
وتقدم النفس على العقل ، قال العز بن عبد السلام رحمه الله :"شـرب الخمر مفسدة محرمة ، لكنه جائز بالإكراه ؛ لأن حفظ النفوس والأطراف أولى من حفظ العقول في زمن قليل ؛ ولأن فوات النفوس والأطراف دائم ، وزوال العقول يرتفع عن قريب بالصحو".([11])
وقال الآمدي رحمه الله :"فمن جهة أن النفس أصل والعقل تبع ؛ فالمحافظة على الأصل أولى ؛ ولأن ما يفضـي إلى فوات النفس على تقدير أفضليته يفوتها مطلقًا ، وما يفضـي إلى تفويت العقل كشـرب المسكر لا يفضـي إلى فواته مطلقًا".([12])
.................
كتاب طليعة الشرح الأزهر لرسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفضيلة الدكتور ياسر برهامي ، إعداد أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم .
([1])النووي على مسلم (2/165) .
([2]) الاستقامة (2/ 327) .
([3])رواه الترمذي (1421) ، النسائي (4095) ، أبو داود (4772) ، أحمد (1655) ، وصححه الألباني في المشكاة (3529) ، وفي الإرواء (708) وغيرهما.
([4])رواه البخاري 2443) ، الترمذي (2255) ، أحمد (11538).
([5]) حاشية البجيرمي على الخطيب (4/ 219).
([6]) مجموع الفتاوى (28/ 319) .
([7]) منهاج السنة النبوية (6/ 46).
([8]) التقرير والتحبير (3/ 231).
([9]) الإحكام (4/ 276).
([10]) قواعد الأحكام (1/ 74).
([11]) قواعد الأحكام (1/ 103،104).
([12]) الإحكام (4/ 276) ، وانظر فقه الأولويات ( 199) .
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى