الجيوش الصليبية بعد نيقية
الأحد 12 ديسمبر 2010, 8:43 pm
انقسام الجيش الصليبي
قرر الصليبيون الانطلاق مباشرة بعد راحة أسبوع واحد، وذلك في الاتجاه الجنوبي الشرقي صوب قونية العاصمة الجديدة لقلج أرسلان، وقد قسَّم الصليبيون جيشَهم إلى نصفين؛ أما النصف الأول فكان نورمانيًّا خالصًا حيث كان يضم نورمان إيطاليا، وعلى رأسهم بوهيموند وتانكرد، وأيضًا نورمان فرنسا بقيادة روبرت وستيفن، وكانت الرئاسة العامة لهذا النصف مع بوهيموند، وقد صحبت هذا القسم فرقة من الجيش البيزنطي، عليها القائد الخبير تاتيكيوس. أما النصف الثاني من الجيش الصليبي فكان مكوَّنًا من جنوب فرنسا بقيادة ريمون الرابع، وأيضًا جنود شمال فرنسا واللورين بقيادة جودفري، وكانت القيادة العامة في هذا القسم لريمون الرابع. وسارت الجيوش بشكل متوازٍ يفصل بينهما حوالي عشرة كيلو مترات، على أن يكون اللقاء في منطقة خرائب مدينة دوريليوم[1]، وهي على بُعد حوالي مائة كيلو متر من نيقية في اتجاه الجنوب الشرقي.
أهداف انقسام الجيش الصليبي
انقسم الجيش الصليبي إلى نصفين لعدة أهداف؛ منها:
1- أن هذا أفضل في تموين الجيش حيث يعتمد الجيش على الغذاء من المحاصيل الموجودة في المزارع بالطريق، وأيضًا يعتمد الجيش على الماء في العيون والآبار الموجودة بالمنطقة.
2- سلاسة الحركة وسرعتها حيث لا تستوعب الطرق الموجودة -مهما اتسعت- لأعداد المقاتلين الهائلة.
3- القضاء على جيوب فرق السلاجقة المتناثرة هنا وهناك[2].
4- التمويه على المخابرات السلجوقية، حيث من الممكن أن تتصدى لأحد القسمين على اعتبار أنه الجيش بكامله، وهذا -لا شك- سيؤدِّي إلى خلل كبير في خطة القتال، وهو ما حدث بالفعل مع هذه الجيوش العملاقة.
معركة دوريليوم
وصل أحد الجيشين الصليبيين -الذي كان برئاسة بوهيموند- إلى منطقة دوريليوم، حيث وجد الجيش الإسلامي منتظرًا في هذه السهول والمرتفعات؛ والجيش الإسلامي كان عبارة عن جيش قلج أرسلان المتَّحِد مع جيش غازي بن الدانشمند. وكما توقع الصليبيون فقد ظنَّ الجيش الإسلامي أن جيش بوهيموند هو كل الجيش الصليبي، على الأقل في هذه المنطقة، ودارت معركة كبيرة بين الجيشين في (490هـ) 1 من يوليو 1097م، ودارت رَحَى المعركة في بداية الأمر على الجيش الصليبي، وتوقع المسلمون أن يتم لهم النصر بعد لحظات، لولا ظهور جيش ريمون الرابع وجودفري دي بوايون فجأةً واشتراكه المباشر في المعركة؛ مما أدى إلى انقلاب الأوضاع، وتبدُّل الحال، وسيطرة الصليبيين على مجريات القتال، على الرغم من إصابة بوهيموند النورماني.
وما هي إلا لحظات حتى ظهر الضعف على الجيش الإسلامي، وحلت به الهزيمة المُرَّة، وانسحب قلج أرسلان بسرعة إلى داخل الأناضول، مخلِّفًا وراءه كمًّا هائلاً من المؤن والغنائم، ليتحقق للصليبيين نصر ثانٍ كبير، يُعرف في التاريخ بموقعة دوريليوم[3].
حركة الجيوش الصليبية في آسيا الصغرى
وهكذا تعمقت آثار سقوط نيقية بعد هزيمة دوريليوم، وارتفعت معنويات الصليبيين والبيزنطيين والأرمن أكثر وأكثر، وهبطت معنويات الجيش الإسلامي للحضيض، حتى إنَّ قلج أرسلان ما جَرُؤ بعد ذلك على مواجهة الجيش الصليبي وجهًا لوجه، بل إنه أخلى كل المدن والقرى التي في الطريق، حيث واصل الصليبيون زحفهم ليتسلموا المناطق الواسعة دون قتال يُذكر، بل الأدهى من ذلك أن الصليبيين وجدوا مدينة قونية -التي كان قلج أرسلان قد اتخذها عاصمة جديدة بعد سقوط نيقية- خاليةً تمامًا من السكان اللهم إلا بعض الأرمن[4]، فاحتلوها في يسرٍ، ثم تجاوزوها إلى مدينة هرقلة، فاحتلوها أيضًا[5]، ثم اتجهوا إلى الشمال الشرقي ليحتلوا مدينة قيصرية[6]، ثم اجتازوا مجموعة من سلاسل جبال طوروس ليصلوا إلى مدينة مَرْعَش (وهي مدينة غالب سكانها من الأرمن)، فاستقبلوا الصليبيين بحفاوة، وتسلَّم الصليبيون المدينة في (490هـ) 13 من أكتوبر 1097م.
ومن الجدير بالذكر أنه حتى هذه اللحظة فإن الجيوش الصليبية كانت تسلِّم الدولة البيزنطية كل ما يُفتح من المدن، وهو ما اتفق عليه قبل ذلك في اتفاقية القسطنطينية[7]، وإن كان من الواضح أن هذا لم يكن عن طيب خاطر، ولكن لاضطرارهم إلى الخبرة البيزنطية وآلات الحصار والأدِلاَّء، وما إلى ذلك من وسائل مساعدة. وكان من الواضح أيضًا أن الصليبيين سينتهزون فرصة قريبة للخروج من هيمنة الدولة البيزنطية، فهم لم يقطعوا كل هذه المسافات، ولم ينفقوا كل هذه الأموال والأرواح حبًّا في النصارى الأرثوذكس، أو رغبة في ردِّ كرامة الإمبراطورية البيزنطية، إنما كان الهدف في الأساس هو الامتلاك الشخصي لكل أمير من أمراء الحملة، والتمتُّع بثروات الشرق، وهذا ما سيظهر في الخطوات القادمة من حركة الحملة الصليبية.
الرغبة التوسعية لدى الأمراء الصليبيين
لعل أول مظاهر هذه الرغبة التوسعية ظهرت عندما انفصل تانكرد النورماني ابن أخت بوهيموند، ومعه بلدوين أخو جودفري بوايون، ليقوما بغزو إقليم قليقية صاحب الكثافة الأرمينية[8]، وكانت بداية انفصال هاتين السريتين من جيش الصليبيين في (490هـ) 14 من سبتمبر 1097م، وتوجها مباشرةً إلى مدينة طرسوس وذلك في (490هـ) 21 من سبتمبر 1097م.
وكانت سرية تانكرد أسرع في الوصول إلى مدينة طرسوس، واشتبكت في صراع مع الحامية التركيَّة في داخل المدينة، وصبرت الحامية التركية لولا ظهور جيش بلدوين، فأدركت الحامية أن الأمل ضعيف في المقاومة[9]؛ لذلك أخلت المدينة ودخلها تانكرد أولاً، ورفع أعلامه عليها متناسيًا اتفاقية القسطنطينية التي تقضي بتسليم المدينة إلى الإمبراطورية البيزنطية، واستقبله السكان الأرمن بالترحاب[10]، ولكن بلدوين لم يعجبه هذا الأمر فثار وغضب، وكاد يدخل في صراعٍ مع تانكرد، ولم يكن غضبه لصالح الدولة البيزنطية بالطبع، وإنما كان غضبه لنفسه؛ فقد كان يريد المدينة له لا لتانكرد. وفي النهاية قَبِل تانكرد أن يترك المدينة لبلدوين، واتجه هو إلى مدينة أخرى هي موبسواسطيه، ورفع بلدوين أعلامه على المدينة طامعًا أن تكون ملكًا شخصيًّا له[11].
وفي هذه الأثناء حدث أمران غيَّرا من سير الأحداث في منطقة طرسوس؛ أما الأمر الأول فهو أن بوهيموند كان قد أرسل ثلاثمائة من الجنود نجدةً إلى تانكرد ابن أخته، فوصل هؤلاء الجنود ليلاً إلى مدينة طرسوس، فوجدوا أن تانكرد قد غادرها، والمدينة أصبحت بيد بلدوين، فطلبوا المبيت إلى الصباح في داخل المدينة، ولكن بلدوين رفض دخولهم وأجبرهم على المبيت خارج المدينة، فناموا في العراء فدهمتهم فرقة من الأتراك وأبادوهم عن آخرهم[12]. ووصل هذا الأمر إلى الجيوش الصليبية، فحنقت أشد الحنق على بلدوين الذي كان سببًا في هلاك هذه الفرقة[13].
وأما الأمر الثاني فهو أن أحد الأرمن المقرَّبين من بلدوين نصحه أن يترك هذه المدينة المحدودة، ويتجه إلى مدينة الرها على شاطئ الفرات؛ لأنها أخصب وأوسع وأعظم كثيرًا من طرسوس.
طمع بلدوين في نصيحة الأرمني، وترك المدينة متجهًا ناحية الشرق، وفي الطريق وجد تانكرد على أبواب مدينة موبسواسطيه، فدار بينهما قتال بسبب الفرقة الإيطالية التي هلكت خارج أسوار طرسوس[14]، ثم تصالحا في النهاية وأكملا الطريق لملاقاة الجيش الصليبي الرئيسي المتجه إلى أنطاكية.
د. راغب السرجاني
--------------------------------------------------------------------------------
[1] Alexiad: p. 279; Oman: vol, 1, p.272; Gesta Francorum, pp. 19-22; Fulcher de Chartres, pp. 83-87; William of Tyre, 1, pp. 169-173; Runciman, "Constantinople to Antioch", pp. 293-294; mayer, The Crusades, pp. 50-51.
[2] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/134.
[3] Grousset. Op cit., 1, p. 35.
[4] Gesta Francorum, pp. 55-57.
[5] Setton: op cit., vol. 1, p. 295.
[6] Gesta Francorum, pp. 61.
[7] Cam.Med. Hist, vol. 5, p. 287.
[8] Chalandon: premiere Croisades, p. 172.
[9] فوشيه الشارتري: تاريخ الحملة إلى بيت المقدس ص52،51،
Grousset: vol 1 p 46.
[10] Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 41.
[11] Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 288.
[12] Albert d`Alix, (Hist Occid) 1V, p.p. 346-347.
[13] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/143.
[14] Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 288.
قرر الصليبيون الانطلاق مباشرة بعد راحة أسبوع واحد، وذلك في الاتجاه الجنوبي الشرقي صوب قونية العاصمة الجديدة لقلج أرسلان، وقد قسَّم الصليبيون جيشَهم إلى نصفين؛ أما النصف الأول فكان نورمانيًّا خالصًا حيث كان يضم نورمان إيطاليا، وعلى رأسهم بوهيموند وتانكرد، وأيضًا نورمان فرنسا بقيادة روبرت وستيفن، وكانت الرئاسة العامة لهذا النصف مع بوهيموند، وقد صحبت هذا القسم فرقة من الجيش البيزنطي، عليها القائد الخبير تاتيكيوس. أما النصف الثاني من الجيش الصليبي فكان مكوَّنًا من جنوب فرنسا بقيادة ريمون الرابع، وأيضًا جنود شمال فرنسا واللورين بقيادة جودفري، وكانت القيادة العامة في هذا القسم لريمون الرابع. وسارت الجيوش بشكل متوازٍ يفصل بينهما حوالي عشرة كيلو مترات، على أن يكون اللقاء في منطقة خرائب مدينة دوريليوم[1]، وهي على بُعد حوالي مائة كيلو متر من نيقية في اتجاه الجنوب الشرقي.
أهداف انقسام الجيش الصليبي
انقسم الجيش الصليبي إلى نصفين لعدة أهداف؛ منها:
1- أن هذا أفضل في تموين الجيش حيث يعتمد الجيش على الغذاء من المحاصيل الموجودة في المزارع بالطريق، وأيضًا يعتمد الجيش على الماء في العيون والآبار الموجودة بالمنطقة.
2- سلاسة الحركة وسرعتها حيث لا تستوعب الطرق الموجودة -مهما اتسعت- لأعداد المقاتلين الهائلة.
3- القضاء على جيوب فرق السلاجقة المتناثرة هنا وهناك[2].
4- التمويه على المخابرات السلجوقية، حيث من الممكن أن تتصدى لأحد القسمين على اعتبار أنه الجيش بكامله، وهذا -لا شك- سيؤدِّي إلى خلل كبير في خطة القتال، وهو ما حدث بالفعل مع هذه الجيوش العملاقة.
معركة دوريليوم
وصل أحد الجيشين الصليبيين -الذي كان برئاسة بوهيموند- إلى منطقة دوريليوم، حيث وجد الجيش الإسلامي منتظرًا في هذه السهول والمرتفعات؛ والجيش الإسلامي كان عبارة عن جيش قلج أرسلان المتَّحِد مع جيش غازي بن الدانشمند. وكما توقع الصليبيون فقد ظنَّ الجيش الإسلامي أن جيش بوهيموند هو كل الجيش الصليبي، على الأقل في هذه المنطقة، ودارت معركة كبيرة بين الجيشين في (490هـ) 1 من يوليو 1097م، ودارت رَحَى المعركة في بداية الأمر على الجيش الصليبي، وتوقع المسلمون أن يتم لهم النصر بعد لحظات، لولا ظهور جيش ريمون الرابع وجودفري دي بوايون فجأةً واشتراكه المباشر في المعركة؛ مما أدى إلى انقلاب الأوضاع، وتبدُّل الحال، وسيطرة الصليبيين على مجريات القتال، على الرغم من إصابة بوهيموند النورماني.
وما هي إلا لحظات حتى ظهر الضعف على الجيش الإسلامي، وحلت به الهزيمة المُرَّة، وانسحب قلج أرسلان بسرعة إلى داخل الأناضول، مخلِّفًا وراءه كمًّا هائلاً من المؤن والغنائم، ليتحقق للصليبيين نصر ثانٍ كبير، يُعرف في التاريخ بموقعة دوريليوم[3].
حركة الجيوش الصليبية في آسيا الصغرى
وهكذا تعمقت آثار سقوط نيقية بعد هزيمة دوريليوم، وارتفعت معنويات الصليبيين والبيزنطيين والأرمن أكثر وأكثر، وهبطت معنويات الجيش الإسلامي للحضيض، حتى إنَّ قلج أرسلان ما جَرُؤ بعد ذلك على مواجهة الجيش الصليبي وجهًا لوجه، بل إنه أخلى كل المدن والقرى التي في الطريق، حيث واصل الصليبيون زحفهم ليتسلموا المناطق الواسعة دون قتال يُذكر، بل الأدهى من ذلك أن الصليبيين وجدوا مدينة قونية -التي كان قلج أرسلان قد اتخذها عاصمة جديدة بعد سقوط نيقية- خاليةً تمامًا من السكان اللهم إلا بعض الأرمن[4]، فاحتلوها في يسرٍ، ثم تجاوزوها إلى مدينة هرقلة، فاحتلوها أيضًا[5]، ثم اتجهوا إلى الشمال الشرقي ليحتلوا مدينة قيصرية[6]، ثم اجتازوا مجموعة من سلاسل جبال طوروس ليصلوا إلى مدينة مَرْعَش (وهي مدينة غالب سكانها من الأرمن)، فاستقبلوا الصليبيين بحفاوة، وتسلَّم الصليبيون المدينة في (490هـ) 13 من أكتوبر 1097م.
ومن الجدير بالذكر أنه حتى هذه اللحظة فإن الجيوش الصليبية كانت تسلِّم الدولة البيزنطية كل ما يُفتح من المدن، وهو ما اتفق عليه قبل ذلك في اتفاقية القسطنطينية[7]، وإن كان من الواضح أن هذا لم يكن عن طيب خاطر، ولكن لاضطرارهم إلى الخبرة البيزنطية وآلات الحصار والأدِلاَّء، وما إلى ذلك من وسائل مساعدة. وكان من الواضح أيضًا أن الصليبيين سينتهزون فرصة قريبة للخروج من هيمنة الدولة البيزنطية، فهم لم يقطعوا كل هذه المسافات، ولم ينفقوا كل هذه الأموال والأرواح حبًّا في النصارى الأرثوذكس، أو رغبة في ردِّ كرامة الإمبراطورية البيزنطية، إنما كان الهدف في الأساس هو الامتلاك الشخصي لكل أمير من أمراء الحملة، والتمتُّع بثروات الشرق، وهذا ما سيظهر في الخطوات القادمة من حركة الحملة الصليبية.
الرغبة التوسعية لدى الأمراء الصليبيين
لعل أول مظاهر هذه الرغبة التوسعية ظهرت عندما انفصل تانكرد النورماني ابن أخت بوهيموند، ومعه بلدوين أخو جودفري بوايون، ليقوما بغزو إقليم قليقية صاحب الكثافة الأرمينية[8]، وكانت بداية انفصال هاتين السريتين من جيش الصليبيين في (490هـ) 14 من سبتمبر 1097م، وتوجها مباشرةً إلى مدينة طرسوس وذلك في (490هـ) 21 من سبتمبر 1097م.
وكانت سرية تانكرد أسرع في الوصول إلى مدينة طرسوس، واشتبكت في صراع مع الحامية التركيَّة في داخل المدينة، وصبرت الحامية التركية لولا ظهور جيش بلدوين، فأدركت الحامية أن الأمل ضعيف في المقاومة[9]؛ لذلك أخلت المدينة ودخلها تانكرد أولاً، ورفع أعلامه عليها متناسيًا اتفاقية القسطنطينية التي تقضي بتسليم المدينة إلى الإمبراطورية البيزنطية، واستقبله السكان الأرمن بالترحاب[10]، ولكن بلدوين لم يعجبه هذا الأمر فثار وغضب، وكاد يدخل في صراعٍ مع تانكرد، ولم يكن غضبه لصالح الدولة البيزنطية بالطبع، وإنما كان غضبه لنفسه؛ فقد كان يريد المدينة له لا لتانكرد. وفي النهاية قَبِل تانكرد أن يترك المدينة لبلدوين، واتجه هو إلى مدينة أخرى هي موبسواسطيه، ورفع بلدوين أعلامه على المدينة طامعًا أن تكون ملكًا شخصيًّا له[11].
وفي هذه الأثناء حدث أمران غيَّرا من سير الأحداث في منطقة طرسوس؛ أما الأمر الأول فهو أن بوهيموند كان قد أرسل ثلاثمائة من الجنود نجدةً إلى تانكرد ابن أخته، فوصل هؤلاء الجنود ليلاً إلى مدينة طرسوس، فوجدوا أن تانكرد قد غادرها، والمدينة أصبحت بيد بلدوين، فطلبوا المبيت إلى الصباح في داخل المدينة، ولكن بلدوين رفض دخولهم وأجبرهم على المبيت خارج المدينة، فناموا في العراء فدهمتهم فرقة من الأتراك وأبادوهم عن آخرهم[12]. ووصل هذا الأمر إلى الجيوش الصليبية، فحنقت أشد الحنق على بلدوين الذي كان سببًا في هلاك هذه الفرقة[13].
وأما الأمر الثاني فهو أن أحد الأرمن المقرَّبين من بلدوين نصحه أن يترك هذه المدينة المحدودة، ويتجه إلى مدينة الرها على شاطئ الفرات؛ لأنها أخصب وأوسع وأعظم كثيرًا من طرسوس.
طمع بلدوين في نصيحة الأرمني، وترك المدينة متجهًا ناحية الشرق، وفي الطريق وجد تانكرد على أبواب مدينة موبسواسطيه، فدار بينهما قتال بسبب الفرقة الإيطالية التي هلكت خارج أسوار طرسوس[14]، ثم تصالحا في النهاية وأكملا الطريق لملاقاة الجيش الصليبي الرئيسي المتجه إلى أنطاكية.
د. راغب السرجاني
--------------------------------------------------------------------------------
[1] Alexiad: p. 279; Oman: vol, 1, p.272; Gesta Francorum, pp. 19-22; Fulcher de Chartres, pp. 83-87; William of Tyre, 1, pp. 169-173; Runciman, "Constantinople to Antioch", pp. 293-294; mayer, The Crusades, pp. 50-51.
[2] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/134.
[3] Grousset. Op cit., 1, p. 35.
[4] Gesta Francorum, pp. 55-57.
[5] Setton: op cit., vol. 1, p. 295.
[6] Gesta Francorum, pp. 61.
[7] Cam.Med. Hist, vol. 5, p. 287.
[8] Chalandon: premiere Croisades, p. 172.
[9] فوشيه الشارتري: تاريخ الحملة إلى بيت المقدس ص52،51،
Grousset: vol 1 p 46.
[10] Grousset: Hist. des Croisades, 1, p. 41.
[11] Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 288.
[12] Albert d`Alix, (Hist Occid) 1V, p.p. 346-347.
[13] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/143.
[14] Cam. Med. Hist. vol. 5, p. 288.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى