إطلالة من نافذة بيرم التونسى
السبت 07 يوليو 2012, 8:13 pm
يامصرى وانت اللى هاممنى من دون الكل .. هزيل ويحسبك الجاهل عيان بالسل
من دى الكيوف الى تصبر على كتر الذل .. ونمت والعالم فايق قوم بص وطل
هكذا قالها امير شعراء العامية .. بيرم التونسى .. احد حملة الاقلام الحرة الجريئة التى عبرت عن الكادحين ..
ولد الشاعر الشعبي محمود بيرم التونسي في الإسكندرية في 4 مارس 1893م، وسمي التونسي لأن جده لأبيه كان تونسياً قدم إلى مصر سنة 1833م، والتونسي لقب لصق به وبأفراد أسرته لكوْنهم من تونس أصلا، وهاجروا إلى الإسكندرية، وأقاموا فيها فكان أهلُ الحي يصفون الفرد منهم بالتونسي، فلحق بهم هذا اللقب كعادة الغريب حين يقيم في غير مدينته يلقبه الناس لقبًا ينسبه إلى بلده الأصلي.
وقد عاش طفولته في حي الأنفوشي بالسيالة، التحق بكُتّاب الشيخ جاد الله، ثم كره الدراسة فيه لما عاناه من قسوة الشيخ، فأرسله والده إلى المعهد الديني وكان مقره مسجد المرسي أبو العباس، توفى والده وهو في الرابعة عشرة من عمره، فانقطع عن المعهد وارتد إلى دكان أبيه ولكنه خرج من هذه التجارة صفر اليدين.
كان محمود بيرم التونسي ذكياً يحب المطالعة تساعده على ذلك حافظة قوية، فهو يقرأ ويهضم ما يقرؤه في قدرة عجيبة، بدأت شهرته عندما كتب قصيدته بائع الفجل التي ينتقد فيها المجلس البلدي في الإسكندرية الذي فرض الضرائب الباهظة وأثقل كاهل السكان بحجة النهوض بالعمران، وبعد هذه القصيدة انفتحت أمامه أبواب الفن فانطلق في طريقها ودخلها من أوسع الأبواب.
قد أوقعَ القلبَ في الأشجانِ والكَمَدِ :::: هوى حبيبٍ يُسَمّى المجلس البلدي
أمشي وأكتمُ أنفاسي مخافة َ أنْ :::: يعدّهـا عاملٌ للمجلسِ البلـدي
ما شَرَّدَ النومَ عن جفني القريحِ سوى :::: طيف الخيالِ خيال المجلسِ البلدي
إذا الرغيفُ أتى ، فالنصف ُ آكُلُهُ :::: والنصفُ أتركُه للمجلس البلدي
وإنْ جلستُ فجَيْبِـي لستُ أتركُهُ:::: خوفَ اللصوصِ وخوفَ المجلسِ البلدي
وما كسوتُ عيالي في الشتاءِ ولا :::: في الصيفِ إلاَّ كسوتُ المجلسَ البلدي
كَــأنَّ أٌمّي بَلَّ اللهُ تُربتها :::: أوصَتْ فقالت : أخوك المجلس البلدي
يا بائعَ الفجلِ بالمِلِّيـمِ واحدةً :::: كم للعيالِ وكم للمجلسِ البلدي
ويعدّ بيرم من أشهر شعراء العامية المصرية؛ لدرجة أن أمير الشعراء أحمد شوقي قال عنه: "أخشى على الفصحى من بيرم"؛ فقد كان بيرم نابغة في شعر العامية، وكانت كل أشعاره كأنها طلقات رصاص على الفساد السياسي والاجتماعي في مصر.
وايمانا من بيرم التونسى بالدور العظيم للام فى التربية وضروة تنشئة الاولاد بعيدا عن العادات القديمة والخرافات والاساطير ظل ينتقد ذلك باسلوبه الساخر الساحر ويقول :
بطلى قولة العفريت والغولة ... ليطلع الواد عبيط والبنت مخبولة
متعرفيش الكلام دة يتلف الاولاد .. ويفرجوكى المرار وتعيشى مخبولة
وقد تفاوت المدى الموضوعى فى تناول المجتمع عند بيرم وتتنوع اساليبه واشكاله , فهو عندما يصور المجتمع بكل تفاصيله لا يقف عند حدود التصوير بل يتجاوزه الى النقد فى اسلوب مرح ساخر يؤكد لنا ان بيرم اقدر من سواه على تطويع اللغة الشعبية ومفرداتها لخدمة الموضوع فلبيرم فى الفن فلسفة يعبر عنها..
ومشكلة الفن عند بيرم ليست مجرد مشكلة ذاتية او فردية ولا هى مشكلة مادية .. وانما هى مشكلة قيمة ..
ويرصد بيرم حالة الفن فى المجتمع من خلال اوضاع الفنان ,, فالمجتمع المتقدم هو المجتمع الذى تقدم فيه الفن ويحيا فيه الفنان حياة كريمة بحيث يستطيع ان يقوم بدوره ويؤدى رسالته ..اما المجتمع المتخلف الذى تتفشى فيه امراض الجهل والتخلف ويتحكم فيه الاستعمار والقوى الخارجية من جهة والرجعية من جهة اخرى فهو المجتمع الذى لا يحفل بالفن ولا يقدر الفنان ..
ولم ينس بيرم الادباء الذين تعلقو بأزيال السلطة او مؤسساتها فهؤلاء فى نظر بيرم ليسوا سوى ادعياء , لان الفن يرتبط بالحرية ولا يمكن ان يتحول الى وظيفة رسمية واذا تحول الفنان الى موظف رسمى فانه لن يبدع ابدا بل سيتحول الى بوق من ابواق السلطة التى تدفع له راتبه الشهرى وفى قصيدة بعنوان "اديب ميرى" يوضح بيرم موقفه من هؤلاء باسلوبه الساخر اللاذع كالعادة فيقول :
من قبل ما يوظفوه عرف لسان العرب .. وشئ عن البحترى وكام كتاب منتخب
اصبح اديب مشهور له فى التصانيف درر .. وبعد ما وظفوه اصبح قليل الادب
يقعد على مكتبه عارف مقام منصبه .. ووجهة دة يقلبه قالبه صحاب العزب
يلعن فى خاش السعاة الى ما ودوش عشاه .. اما التليفون هواه بالدق من غير سبب
وام القوام سمهرى لها الكلام الطرى .. ويخش له العبقرى يستقبله بالغضب
هجاص وبياع كلام عمل رفيع المقام .. يقبض مرتب حرام من جيب بتوع العنب
وفى قضية الاحتلال البريطانى لمصر فكانت كلمات بيرم هى نذير الثورة التى بشر بها الواقع المصرى .. وقد كان بيرم على ثقة من ان تخلف الشرق لا يزول الا بعد زوال الاستعمار ونهضة الامم الشرقية لذا فقد اخذ على عاتقه مهمة الهجوم على الاستعمار والتعبير عن الارادة الوطنية فى مواجهة الملك والاستعمار وابدع فقال :
ولما هدمنا بمصر الملوك,جابوك الانجليز يافؤاد قعدوك,تمثل على العرش دور الملوك
وفين يلقو مجرم زيك ودون
وخلوك تخالط بنات البلاد,على شرط تقطع رقاب العباد,وتنسى زمان وقفتك يافؤاد
على البنك تشحت شوية زتون
بذلنا ولسة بنبذل نفوس,وقلنا عسى الله يزول الكابوس,ما شفناالا عرشك ياتيس التيوس
لا مصر استقلت ولا يحزنون
بعد ذلك نفى بيرم الى تونس وفى المنفى كتب :
الاولة : مصر قالوا تونس ونفونى ..
والتانية : تونس وفيها الاهل جحدونى ..
والتالتة : باريس وفى باريس جهلونى
***
الاولة : مصر قالو تونسى ونفونى - جزاه خير ..
والثانية : تونس وفيها الاهل جحدونى - وحتى الغير ..
والتالتة : باريس وفى باريس جهلونى - وانا موليير
***
الاولة : مصر قالو تونسى ونفونى - جزاه خير - واحسانى ..
والثانية : تونس وفيها الاهل جحدونى - وحتى الغير - ما صفانى ..
والتالتة : باريس وفى باريس جهلونى - وانا موليير - فى زمانى
***
الاولة : شربتنى من فراقها كاس - بمرارة ..
والتانية اه فرجتنى ع الجمال ينداس - يا خسارة ..
والتالتة : يا ناس ياريتنى كان لى فيها ناس - وادارة
***
الاولة اه .. والتانية اه .. والتالتة اه
وتنتهى الرحلة دون ان نتمكن من الوقوف على كل جوانب ابداع هذا الشاعر العبقرى امير شعراء العامية المصرية , وشاعر الشعب .. وكيف يمكننا ان نحيط بكل جوانب ابداعه وقد اختار لنفسه ان يكون ضمير الامة والسجل الحافل لحياتها ..
توفي بيرم التونسي في 5 يناير 1961م عن عمر ي
من دى الكيوف الى تصبر على كتر الذل .. ونمت والعالم فايق قوم بص وطل
هكذا قالها امير شعراء العامية .. بيرم التونسى .. احد حملة الاقلام الحرة الجريئة التى عبرت عن الكادحين ..
ولد الشاعر الشعبي محمود بيرم التونسي في الإسكندرية في 4 مارس 1893م، وسمي التونسي لأن جده لأبيه كان تونسياً قدم إلى مصر سنة 1833م، والتونسي لقب لصق به وبأفراد أسرته لكوْنهم من تونس أصلا، وهاجروا إلى الإسكندرية، وأقاموا فيها فكان أهلُ الحي يصفون الفرد منهم بالتونسي، فلحق بهم هذا اللقب كعادة الغريب حين يقيم في غير مدينته يلقبه الناس لقبًا ينسبه إلى بلده الأصلي.
وقد عاش طفولته في حي الأنفوشي بالسيالة، التحق بكُتّاب الشيخ جاد الله، ثم كره الدراسة فيه لما عاناه من قسوة الشيخ، فأرسله والده إلى المعهد الديني وكان مقره مسجد المرسي أبو العباس، توفى والده وهو في الرابعة عشرة من عمره، فانقطع عن المعهد وارتد إلى دكان أبيه ولكنه خرج من هذه التجارة صفر اليدين.
كان محمود بيرم التونسي ذكياً يحب المطالعة تساعده على ذلك حافظة قوية، فهو يقرأ ويهضم ما يقرؤه في قدرة عجيبة، بدأت شهرته عندما كتب قصيدته بائع الفجل التي ينتقد فيها المجلس البلدي في الإسكندرية الذي فرض الضرائب الباهظة وأثقل كاهل السكان بحجة النهوض بالعمران، وبعد هذه القصيدة انفتحت أمامه أبواب الفن فانطلق في طريقها ودخلها من أوسع الأبواب.
قد أوقعَ القلبَ في الأشجانِ والكَمَدِ :::: هوى حبيبٍ يُسَمّى المجلس البلدي
أمشي وأكتمُ أنفاسي مخافة َ أنْ :::: يعدّهـا عاملٌ للمجلسِ البلـدي
ما شَرَّدَ النومَ عن جفني القريحِ سوى :::: طيف الخيالِ خيال المجلسِ البلدي
إذا الرغيفُ أتى ، فالنصف ُ آكُلُهُ :::: والنصفُ أتركُه للمجلس البلدي
وإنْ جلستُ فجَيْبِـي لستُ أتركُهُ:::: خوفَ اللصوصِ وخوفَ المجلسِ البلدي
وما كسوتُ عيالي في الشتاءِ ولا :::: في الصيفِ إلاَّ كسوتُ المجلسَ البلدي
كَــأنَّ أٌمّي بَلَّ اللهُ تُربتها :::: أوصَتْ فقالت : أخوك المجلس البلدي
يا بائعَ الفجلِ بالمِلِّيـمِ واحدةً :::: كم للعيالِ وكم للمجلسِ البلدي
ويعدّ بيرم من أشهر شعراء العامية المصرية؛ لدرجة أن أمير الشعراء أحمد شوقي قال عنه: "أخشى على الفصحى من بيرم"؛ فقد كان بيرم نابغة في شعر العامية، وكانت كل أشعاره كأنها طلقات رصاص على الفساد السياسي والاجتماعي في مصر.
وايمانا من بيرم التونسى بالدور العظيم للام فى التربية وضروة تنشئة الاولاد بعيدا عن العادات القديمة والخرافات والاساطير ظل ينتقد ذلك باسلوبه الساخر الساحر ويقول :
بطلى قولة العفريت والغولة ... ليطلع الواد عبيط والبنت مخبولة
متعرفيش الكلام دة يتلف الاولاد .. ويفرجوكى المرار وتعيشى مخبولة
وقد تفاوت المدى الموضوعى فى تناول المجتمع عند بيرم وتتنوع اساليبه واشكاله , فهو عندما يصور المجتمع بكل تفاصيله لا يقف عند حدود التصوير بل يتجاوزه الى النقد فى اسلوب مرح ساخر يؤكد لنا ان بيرم اقدر من سواه على تطويع اللغة الشعبية ومفرداتها لخدمة الموضوع فلبيرم فى الفن فلسفة يعبر عنها..
ومشكلة الفن عند بيرم ليست مجرد مشكلة ذاتية او فردية ولا هى مشكلة مادية .. وانما هى مشكلة قيمة ..
ويرصد بيرم حالة الفن فى المجتمع من خلال اوضاع الفنان ,, فالمجتمع المتقدم هو المجتمع الذى تقدم فيه الفن ويحيا فيه الفنان حياة كريمة بحيث يستطيع ان يقوم بدوره ويؤدى رسالته ..اما المجتمع المتخلف الذى تتفشى فيه امراض الجهل والتخلف ويتحكم فيه الاستعمار والقوى الخارجية من جهة والرجعية من جهة اخرى فهو المجتمع الذى لا يحفل بالفن ولا يقدر الفنان ..
ولم ينس بيرم الادباء الذين تعلقو بأزيال السلطة او مؤسساتها فهؤلاء فى نظر بيرم ليسوا سوى ادعياء , لان الفن يرتبط بالحرية ولا يمكن ان يتحول الى وظيفة رسمية واذا تحول الفنان الى موظف رسمى فانه لن يبدع ابدا بل سيتحول الى بوق من ابواق السلطة التى تدفع له راتبه الشهرى وفى قصيدة بعنوان "اديب ميرى" يوضح بيرم موقفه من هؤلاء باسلوبه الساخر اللاذع كالعادة فيقول :
من قبل ما يوظفوه عرف لسان العرب .. وشئ عن البحترى وكام كتاب منتخب
اصبح اديب مشهور له فى التصانيف درر .. وبعد ما وظفوه اصبح قليل الادب
يقعد على مكتبه عارف مقام منصبه .. ووجهة دة يقلبه قالبه صحاب العزب
يلعن فى خاش السعاة الى ما ودوش عشاه .. اما التليفون هواه بالدق من غير سبب
وام القوام سمهرى لها الكلام الطرى .. ويخش له العبقرى يستقبله بالغضب
هجاص وبياع كلام عمل رفيع المقام .. يقبض مرتب حرام من جيب بتوع العنب
وفى قضية الاحتلال البريطانى لمصر فكانت كلمات بيرم هى نذير الثورة التى بشر بها الواقع المصرى .. وقد كان بيرم على ثقة من ان تخلف الشرق لا يزول الا بعد زوال الاستعمار ونهضة الامم الشرقية لذا فقد اخذ على عاتقه مهمة الهجوم على الاستعمار والتعبير عن الارادة الوطنية فى مواجهة الملك والاستعمار وابدع فقال :
ولما هدمنا بمصر الملوك,جابوك الانجليز يافؤاد قعدوك,تمثل على العرش دور الملوك
وفين يلقو مجرم زيك ودون
وخلوك تخالط بنات البلاد,على شرط تقطع رقاب العباد,وتنسى زمان وقفتك يافؤاد
على البنك تشحت شوية زتون
بذلنا ولسة بنبذل نفوس,وقلنا عسى الله يزول الكابوس,ما شفناالا عرشك ياتيس التيوس
لا مصر استقلت ولا يحزنون
بعد ذلك نفى بيرم الى تونس وفى المنفى كتب :
الاولة : مصر قالوا تونس ونفونى ..
والتانية : تونس وفيها الاهل جحدونى ..
والتالتة : باريس وفى باريس جهلونى
***
الاولة : مصر قالو تونسى ونفونى - جزاه خير ..
والثانية : تونس وفيها الاهل جحدونى - وحتى الغير ..
والتالتة : باريس وفى باريس جهلونى - وانا موليير
***
الاولة : مصر قالو تونسى ونفونى - جزاه خير - واحسانى ..
والثانية : تونس وفيها الاهل جحدونى - وحتى الغير - ما صفانى ..
والتالتة : باريس وفى باريس جهلونى - وانا موليير - فى زمانى
***
الاولة : شربتنى من فراقها كاس - بمرارة ..
والتانية اه فرجتنى ع الجمال ينداس - يا خسارة ..
والتالتة : يا ناس ياريتنى كان لى فيها ناس - وادارة
***
الاولة اه .. والتانية اه .. والتالتة اه
وتنتهى الرحلة دون ان نتمكن من الوقوف على كل جوانب ابداع هذا الشاعر العبقرى امير شعراء العامية المصرية , وشاعر الشعب .. وكيف يمكننا ان نحيط بكل جوانب ابداعه وقد اختار لنفسه ان يكون ضمير الامة والسجل الحافل لحياتها ..
توفي بيرم التونسي في 5 يناير 1961م عن عمر ي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى