من ايام ابى بكر فى رمضان
الثلاثاء 31 يوليو 2012, 11:07 pm
كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا يوم من أيام أبي بكر -رضي الله عنه- الذي قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّة)، وفيه فضيلة عظيمة لأبي بكر -رضي الله عنه- في مسابقته في الخير، وفيه حث لنا أيضًا على أن يكون يومنا كيوم أبي بكر -رضي الله عنه-، أو أن يكون يوم صومنا كيوم صيام أبي بكر -رضي الله عنه- حيث قال -صلى الله عليه وسلم- مرة لأصحابه -رضي الله عنهم-: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا)؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً)؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا)؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا)؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّة) (رواه مسلم).
هذه أربعة أمور:
أصبح صائمًا، وتبع جنازة، وأطعم مسكينـًا، وعاد مريضًا، إذا اجتمعت في امرئ في يوم دخل الجنة.
فها أنت -والحمد لله- قد أصبحت صائمًا في رمضان -في زمان شريف-، ويبقى أن تتبع جنازة مسلم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّىَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ) قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: (مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) (متفق عليه).
قال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني 2/474":
"واتباع الجنائز سنة، قال البراء: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باتباع الجنائز، وهو على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يصلي عليها ثم ينصرف، قال زيد ين ثابت: إذا صليت فقد قضيت الذي عليك، وقال أبو داود: رأيت أحمد ما لا أحصي صلى على جنائز، ولم يتبعها إلى القبر، ولم يستأذن.
الثاني: أن يتبعها إلى القبر، ثم يقف حتى تدفن؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّىَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ) قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: (مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ).
الثالث: أن يقف بعد الدفن فيستغفر له، ويسأل الله له التثبيت، ويدعو له بالرحمة، فقد روى أبو داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا دفن ميتـًا وقف، وقال: استغفروا له، واسألوا الله له التثبيت، فإنه الآن يسأل" انتهى.
وقال أيضًا:
"ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعًا، متفكرًا في مآله، متعظـًا بالموت، بما يصير إليه الميت، ولا يتحدث بأحاديث الدنيا، ولا يضحك، قال سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: "ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها".
ورأى بعض السلف رجلا يضحك في جنازة، فقال: "أتضحك وأنت تتبع الجنازة، لا كلمتك أبدًا" انتهى.
- وليتذكر بالموت، فكفى به واعظ، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) (رواه مسلم)، وفي رواية: (فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- وعليك بالصدقة، بإطعام مسكين من كسب طيب حلال؛ فإن الله -تعالى- طيب لا يقبل إلا طيبًا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ- وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ) (متفق عليه)، والعِدل بالكسر: أي ما يعادله من غير جنسه، والعَدل بالفتح: ما يعادله من جنسه، ويربيها: أي ينميها، والفـَلُّو: المهر أول ما يولد، ومصداق ذلك في كتاب الله -تعالى-: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة:104)، وقوله -تعالى-: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة:276).
- ومن فضل الصدقة أنها وقاية من النار: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) (رواه البخاري ومسلم).
- وأنها تطفئ الخطيئة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وفي رواية: (وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يَذْهَبُ الْجَلِيدُ عَلَى الصَّفَا) (رواه ابن حبان، وقال الألباني: صحيح لغيره)، أي: يذهبه حر الشمس.
-وصدقة السر تطفئ غضب الرب -جلّ وعلا-: قال -صلى الله عليه وسلم-: (صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِيءُ غَضَبَ الرَّبِّ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
- وتجعل العبد في ظل العرش يوم القيامة: يوم تدنو الشمس فوق الرؤوس مقدار ميل، فيغرق الناس في عرقهم، ولا ظل لهم إلا ظل العرش أو ظل أعمالهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
قال يزيد بن أبي حبيب المصري -رحمه الله-: "كان مرثد بن عبد الله اليزني يروح إلى المسجد، وما رأيته داخلاً المسجد قط إلا في كمه صدقة: إما فلوس، وإما خبز، وإما قمح، قال: حتى ربما رأيت البصل يحمله، قال: فأقول: يا أبا الخير، إن هذا ينتن ثيابك! قال: فيقول: يا ابن أبي حبيب، أما إني لم أجد في البيت شيئًا أتصدق به غيره، إنه حدثني رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ ظِلَّ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَدَقَتُهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ) (متفق عليه)، وقال على -رضي الله عنه-: "استنزلوا الرزق بالصدقة".
ولما نزلت آية الصدقة كان الصحابة -رضي الله عنهم- يحملون على ظهورهم ثم يتصدقون -رضي الله عنهم-.
- وقال يحي بن معاذ: "ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا حبة من الصدقة".
- وكان سفيان الثوري إذا رأى سائلاً على بابه انشرح صدره وقال: "مرحبًا بمن جاء ليغسل عني ذنوبي".
- وأما يوم القيامة فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ... ) (متفق عليه)، زوجين أي: شيئين من صنف واحد في سبيل الله إما في الجهاد أو غيره، تدعوه الملائكة خزنة الجنة خزنة كل باب: (هَذَا خَيْرٌ)، فرحًا بعمله وطاعته، والله المستعان.
- وعليك بعيادة مريض: فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) (متفق عليه)، ومعنى الحق أي: لا ينبغي تركه، قاله النووي.
وفضل ذلك ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ) (رواه مسلم)، وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: (جَنَاهَا).
وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، والخريف: بستان في الجنة.
وهذه الزيارة تكون لله -تعالى-، لا عادة أو مجاملة، وتكون للتذكير والدعوة والتعليم؛ لأن كثيرًا من المرضى -جهلاً- يتركون الصلاة؛ لأنهم لا يعلمون فقه طهارة المريض وصلاته، ويقول: كيف أصلي وعلي نجاسة؟ فينبغي لمن زاره أن يذكره برفق، ويعلمه ما يجب عليه من طهارة وصلاة، والله -تعالى- أعلم، وهو المسئول -عز وجل- أن يوفقنا لطاعته، وأن يجعلنا من الشاكرين.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا يوم من أيام أبي بكر -رضي الله عنه- الذي قال عنه -صلى الله عليه وسلم-: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّة)، وفيه فضيلة عظيمة لأبي بكر -رضي الله عنه- في مسابقته في الخير، وفيه حث لنا أيضًا على أن يكون يومنا كيوم أبي بكر -رضي الله عنه-، أو أن يكون يوم صومنا كيوم صيام أبي بكر -رضي الله عنه- حيث قال -صلى الله عليه وسلم- مرة لأصحابه -رضي الله عنهم-: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا)؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ: (فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً)؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ: (فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا)؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. قَالَ: (فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا)؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّة) (رواه مسلم).
هذه أربعة أمور:
أصبح صائمًا، وتبع جنازة، وأطعم مسكينـًا، وعاد مريضًا، إذا اجتمعت في امرئ في يوم دخل الجنة.
فها أنت -والحمد لله- قد أصبحت صائمًا في رمضان -في زمان شريف-، ويبقى أن تتبع جنازة مسلم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّىَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ) قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: (مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) (متفق عليه).
قال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني 2/474":
"واتباع الجنائز سنة، قال البراء: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باتباع الجنائز، وهو على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يصلي عليها ثم ينصرف، قال زيد ين ثابت: إذا صليت فقد قضيت الذي عليك، وقال أبو داود: رأيت أحمد ما لا أحصي صلى على جنائز، ولم يتبعها إلى القبر، ولم يستأذن.
الثاني: أن يتبعها إلى القبر، ثم يقف حتى تدفن؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّىَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ) قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: (مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ).
الثالث: أن يقف بعد الدفن فيستغفر له، ويسأل الله له التثبيت، ويدعو له بالرحمة، فقد روى أبو داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا دفن ميتـًا وقف، وقال: استغفروا له، واسألوا الله له التثبيت، فإنه الآن يسأل" انتهى.
وقال أيضًا:
"ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعًا، متفكرًا في مآله، متعظـًا بالموت، بما يصير إليه الميت، ولا يتحدث بأحاديث الدنيا، ولا يضحك، قال سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: "ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها".
ورأى بعض السلف رجلا يضحك في جنازة، فقال: "أتضحك وأنت تتبع الجنازة، لا كلمتك أبدًا" انتهى.
- وليتذكر بالموت، فكفى به واعظ، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) (رواه مسلم)، وفي رواية: (فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- وعليك بالصدقة، بإطعام مسكين من كسب طيب حلال؛ فإن الله -تعالى- طيب لا يقبل إلا طيبًا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ- وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ) (متفق عليه)، والعِدل بالكسر: أي ما يعادله من غير جنسه، والعَدل بالفتح: ما يعادله من جنسه، ويربيها: أي ينميها، والفـَلُّو: المهر أول ما يولد، ومصداق ذلك في كتاب الله -تعالى-: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة:104)، وقوله -تعالى-: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة:276).
- ومن فضل الصدقة أنها وقاية من النار: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) (رواه البخاري ومسلم).
- وأنها تطفئ الخطيئة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وفي رواية: (وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يَذْهَبُ الْجَلِيدُ عَلَى الصَّفَا) (رواه ابن حبان، وقال الألباني: صحيح لغيره)، أي: يذهبه حر الشمس.
-وصدقة السر تطفئ غضب الرب -جلّ وعلا-: قال -صلى الله عليه وسلم-: (صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِيءُ غَضَبَ الرَّبِّ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
- وتجعل العبد في ظل العرش يوم القيامة: يوم تدنو الشمس فوق الرؤوس مقدار ميل، فيغرق الناس في عرقهم، ولا ظل لهم إلا ظل العرش أو ظل أعمالهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
قال يزيد بن أبي حبيب المصري -رحمه الله-: "كان مرثد بن عبد الله اليزني يروح إلى المسجد، وما رأيته داخلاً المسجد قط إلا في كمه صدقة: إما فلوس، وإما خبز، وإما قمح، قال: حتى ربما رأيت البصل يحمله، قال: فأقول: يا أبا الخير، إن هذا ينتن ثيابك! قال: فيقول: يا ابن أبي حبيب، أما إني لم أجد في البيت شيئًا أتصدق به غيره، إنه حدثني رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ ظِلَّ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَدَقَتُهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ) (متفق عليه)، وقال على -رضي الله عنه-: "استنزلوا الرزق بالصدقة".
ولما نزلت آية الصدقة كان الصحابة -رضي الله عنهم- يحملون على ظهورهم ثم يتصدقون -رضي الله عنهم-.
- وقال يحي بن معاذ: "ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا حبة من الصدقة".
- وكان سفيان الثوري إذا رأى سائلاً على بابه انشرح صدره وقال: "مرحبًا بمن جاء ليغسل عني ذنوبي".
- وأما يوم القيامة فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ... ) (متفق عليه)، زوجين أي: شيئين من صنف واحد في سبيل الله إما في الجهاد أو غيره، تدعوه الملائكة خزنة الجنة خزنة كل باب: (هَذَا خَيْرٌ)، فرحًا بعمله وطاعته، والله المستعان.
- وعليك بعيادة مريض: فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) (متفق عليه)، ومعنى الحق أي: لا ينبغي تركه، قاله النووي.
وفضل ذلك ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ) (رواه مسلم)، وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: (جَنَاهَا).
وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً، إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، والخريف: بستان في الجنة.
وهذه الزيارة تكون لله -تعالى-، لا عادة أو مجاملة، وتكون للتذكير والدعوة والتعليم؛ لأن كثيرًا من المرضى -جهلاً- يتركون الصلاة؛ لأنهم لا يعلمون فقه طهارة المريض وصلاته، ويقول: كيف أصلي وعلي نجاسة؟ فينبغي لمن زاره أن يذكره برفق، ويعلمه ما يجب عليه من طهارة وصلاة، والله -تعالى- أعلم، وهو المسئول -عز وجل- أن يوفقنا لطاعته، وأن يجعلنا من الشاكرين.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى