حول تسوية الصفوف فى الصلاة
الإثنين 06 أغسطس 2012, 3:33 pm
تسوية الصفوف
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله ذوالجلال والإكرام ، ذي الطول والإنعام ، الحمد لله السميع البصير ، العلي الكبير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، ولا ند له ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شئ قدير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بعثه الله رحمة للعالمين ، وهدايةً للناس أجمعين ، ومذكراً للعارفين ، ومعلماً للجاهلين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن الداعي لكتابة هذه الرسالة ما نشاهده من زهد الكثير والكثير من المسلمين في الاهتمام بالصف الأول في الصلاة ، وعدم الاهتمام بتسوية الصفوف إلى غير ذلك من الأمور المتعلقة بالصفوف في الصلاة .
فرأيت أن من واجب النصح للجميع كتابة هذه الرسالة التي اسأل الله العلي القدير أن ينفع بها الكاتب والقارئ ومن أعان على طبعها ونشرها إنه خير مسؤول وخير مأمول .
من المعلوم شرعاً أن تسوية الصفوف واجب الإمام والمأموم على حد سواء ، فيجب على المأموم السمع والطاعة لإمامه عند توجيهه إلى تسوية الصفوف والتراص فيها ، فيسعى المأموم جاهداً لإيجاد فرجة في الصف الذي أمامه ليحظى بأجر أكثر وأفضل مما لو تأخر ، وينبغي على المأموم أن لا يتضجر ولا يتسخط من تسوية الصفوف والعناية بها بل يكون عوناً لإمامه على ذلك ، لما فيه من التعاون على البر والتقوى ، والتناهي عن الإثم والعدوان .
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لستهموا )) [ متفق عليه ] ، والنداء هو الأذان ، والاستهام هو الاقتراع ، أي لو يعلم الناس ما في الصف الأول من الأجر العظيم والفضيلة لتدافعوا وتنافسوا من أجل ذلك ، ولو جاؤا إلى الصف الأول دفعة واحدة وضاق عنهم الصف ولم يسمح بعضهم لبعض لاقترعوا عليه ، لأن كل منهم يريد أن يستأثر بأن يصلي في الصف الأول لما فيه من الخير والثواب الجزيل ، ولكن الشيطان لعب بكثير من الناس اليوم فإذا أقيمت الصلاة وقيل لهم أتموا الصف الأول جعلوا يلتفتون مندهشين مستغربين وما ذاك إلا لجهل أولئك الناس بأهمية الصفوف الأول في الصلاة .
** قال بن حجر في فتح الباري : [ قال العلماء في الحض على الصف الأول : المسارعة إلى خلاص الذمة ، والسبق لدخول المسجد ، والقرب من الإمام ، واستماع قراءته والتعلم منه ، والفتح عليه ، والتبليغ عنه ، والسلامة من اختراق المارة بين يديه ، وسلامة البال من رؤية من يكون أمامه ، وسلامة موضع سجوده من ثياب المصلين أمامه ] .
** وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع ، في مسألة تسوية الصفوف في الصلاة ، قال: [ القول الراجح في هذه المسألة وجوب تسوية الصف وأن الجماعة إذا لم يسووا الصف فهم آثمون ، . . . . وقال : إذا خالفوا فلم يسووا الصف فهل تبطل صلاتهم ، لأنهم تركوا أمراً واجباً ؟
الجواب : فيه احتمال ، قد يقال : أنها تبطل ، لأنهم تركوا الواجب ، ولكن احتمال عدم البطلان مع الإثم أقوى . . . ] .
ـ قال صلى الله عليه وسلم : (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )) [ رواه مسلم ] ، فمن تسوية الصفوف والاهتمام بها أن تفرد النساء وحدهن ، بمعنى أن يكون النساء خلف الرجال خشية الاختلاط ، ففي هذا بيان أنه كلما كانت هناك حواجز بين صفوف الرجال والنساء كان ذلك أبعد كل البعد عن ما قد يحصل من الفتنة .
وفي الحديث السابق الحث على أن يبكر الرجال بالحضور للمساجد من أجل الحصول على فضيلة الصفوف الأول ، والتأخر للنساء من أجل الحصول على فضيلة الصفوف المتأخرة ، وذلك في حالة اتصال صفوف الرجال والنساء بدون أن يكون هناك حاجز ، أما إذا كان هناك حاجز بين الرجال والنساء فخير صفوف النساء أولها . والله تعالى أعلم .
*** قال النووي رحمه الله في شرح الحديث السابق في شرحه على مسلم : [ أما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبداً ، وشرها آخرها أبداً ، أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال ـ أي التي ليس بينها وبين صفوف الرجال حاجز ـ ، والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثواباً وفضلاً ، وأبعدها من مطلوب الشرع ، وفضّل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع أصواتهم ] .
*** ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تسوية الصفوف وأمر بذلك ، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما ، قال (( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ فقلنا : يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال: يتمون الصفوف الأول ، ويتراصون في الصف )) [ رواه مسلم ] .
ففي هذا الحديث دلالة واضحة على الاهتمام بتسوية الصفوف وتراصها فهذا دليل على وحدة الأمة ، والتزام جماعتها بدين واحد ، وإمام واحد ، والاهتمام بتراص الصفوف وإقامتها والمقاربة بينها من أجل ألا يكون هناك فرج للشيطان كي يدخل منها ، لأن الشيطان يدخل من الخلل ليفسد قلوب المصلين ويلبس عليهم في صلاتهم ، فقال صلى الله عليه وسلم (( رصوا صفوفكم ، وقاربوا بينها ، وحاذوا بالأعناق ، فوا لذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الخذف )) [ رواه أبو داود وغيره وهو صحيح ] .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : (( أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وصل صفاً وصله الله ، ومن قطع صفاً قطعه الله )) [ رواه أبو داود وهو صحيح ] .
ففي هذا الحديث الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها والاهتمام بها حال القيام للصلاة وكذلك الاهتمام بسد الخلل حتى لا يدخل منه الشيطان ، وأن يضيق عليه مما يبطل كيده ويذهب وسوسته ، ويرد شره ، وينبغي العناية بوصل الصف والحذر كل الحذر من قطع الصف ، فإذا كانت هناك فرجة في الصف فيجب وصلها .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي صفوف الصحابة رضوان الله عليهم حتى وكأنما يسوي بها القداح أي مبالغة في تسويتها حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها ، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كاد يكبر رجلاً بادياً صدره من الصف ، فقال : ((عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم )) [ رواه مسلم] ، ففيه الحث على تسوية الصفوف وأنه يؤثر على حال الأمة وألفتها ، وعدم تسوية الصفوف يؤدي إلى الاختلاف والعداوة والبغضاء واختلاف القلوب وضعفها وسيطرة الشيطان عليها ووسوسته لها فيصرفها عن الصلاة حتى أن الإنسان لا يعقل من الصلاة إلا أقل القليل أو قد لا يعقل منها شيئاً . فالاهتمام بتسوية الصفوف من الضروريات التي ينبغي على الإمام والمأموم الانتباه لها وأخذ ذلك بعين الاعتبار .
وليس المقصود بالتراص في الصلاة التزاحم ، بل المقصود الاعتدال والتناظم في الصف وعدم ترك فرجات وفراغات يدخل منها الشيطان ، فيشوش على المصلين ويلهيهم عن الخشوع في صلاتهم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( تراصوا ولا تدعوا فرجات للشيطان )) [ رواه أبو داود وهو صحيح ] .
ـ عن البراء بن عازب رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية ، يمسح صدورنا ، ومناكبنا ، ويقول : (( لاتختلفوا فتختلف قلوبكم )) ، وكان يقول : (( إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول )) [ رواه أبو داود وهو صحيح ] .
فأي فضل عظيم يتركه كثير من الناس اليوم ، فتجدهم لايحرصون على الصفوف الأول بل يتأخرون ويتأخرون ، والنبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : (( لايزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله )) [ رواه مسلم ] . أي يؤخرهم عن رحمته وعظيم ثوابه .
وتكون تسوية الصفوف بإلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم والمعتبر بالقدم هو الكعب ، كما ذكر بعض العلماء .
كانت تلكم جملة من الأحاديث الدالة على الاهتمام بالصف الأول والمسارعة إليه ، بل وحتى الاقتراع من أجل الحصول على الثواب العظيم والأجر الجزيل بالمحافظة على الصلاة في الصفوف الأول ، فينبغي على المصلين المسارعة إلى الصفوف الأول وكذا تسوية جميع الصفوف في الصلاة ، والتعاون والتناصح فيما بينهم من أجل ذلك الأمر حتى لايلحقهم الوعيد الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم في عدم تسوية الصفوف: (( أو ليخالفن الله بين وجوهكم )) ، ففيه وعيد لمن ترك تسوية الصفوف متعمداً ، ولا وعيد إلا مع فعل أمر محرم أو ترك أمر واجب .
*** فليحذر المصلون من عدم تسوية الصفوف والتراص فيها ، وليكونوا إخواناً متعاونين على البر والتقوى ، متناهين عن الإثم والعدوان ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
فمن الجهل العظيم والخطر الجسيم أن يأتي الإنسان إلى بيوت الله تعالى لأداء الصلاة فيخرج من صلاته ولم يكتب له منها شئ ، فأي خسارة بعد هذه الخسارة ، فترك فرجات للشيطان مظنة إنقاص أجر الصلاة لما يسببه الشيطان من الوسوسة للمصلين في صلاتهم فتكون هذه الصلاة لا روح فيها ولا خشوع ولا طمأنينة وكل ذلك من أركان الصلاة ، فقد ينصرف الإنسان من صلاته ولم يعقل منها شئ ، فترفع إلى السماء فلا تفتح لها أبواب السماء فتلف في ثوب قديم بالٍ وترمى في وجه صاحبها وتقول : ضيعك الله كما ضيعتني . فهذا هو التفريط والتضييع بعينه .
وأختم بهذه الأحكام الخاصة بالصفوف في الصلاة :
من أحكام الصفوف :
إليك أخي الكريم بعضاً من الأحكام والفوائد المتعلقة بالصفوف وتسويتها في الصلاة :
1- يحرم المرور بين يدي المصلي في الصلاة إذا كان إماماً أو منفرداً ( مسبوقاً أو غير مسبوق )، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه )) [ متفق عليه ] ، قال الراوي : لا أدري قال أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين سنة ، أما المرور بين الصفوف إذا كان هناك إماماً فلا يمنع ذلك لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه ، لحديث بن عباس رضي الله عنهما أن الأتان كان يمر بين الصفوف ولم ينكر عليه ذلك أحد . والله أعلم .
2- قال صلى الله عليه وسلم : (( يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، المرأة والحمار والكلب الأسود )) [ مسلم ] ، فهذه الثلاثة تقطع صلاة المرء إذا مرت بينه وبين سترته ، أما إذا مر غيرهم فإنه ينقص أجر الصلاة إذا لم يمنعوا من المرور . والله أعلم .
3- يبدأ الصف من خلف الإمام مباشرة ثم يمتد ناحية اليمين وناحية الشمال .
4- قال صلى الله عليه وسلم : (( لاصلاة لمنفرد خلف الصف )) ، وهذا الحديث يدل على أن من وجد فرجة في الصف ثم لم يصلها ويصلي فيها فصلاته غير صحيحة ، أما من حاول أن يجد فرجة في الصف واتقى الله مااستطاع فلا حرج عليه أن يصلي خلف الصف منفرداً . والله أعلم .
5- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتراص وسد الخلل ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتقون الصفوف بين السواري ـ أي بين الأعمدة ـ لما في ذلك من فصل الصف بعضه عن بعض ، ولكن إذا كان المسجد مزدحماً ففي هذه الحالة لاحرج في الاصطفاف بين الأعمدة ، أما في غير الحاجة في الصلاة بين السواري غير صحيحة . والله أعلم.
6- ميامن الصفوف أفضل من مياسرها ، فعن البراء رضي الله عنه قال : ( كنا إذا صلينا خلف رسول الله عليه وسلم ، أحببنا أن نكون عن يمينه . . ) [ مسلم ] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف )) [ مسلم ] . والله أعلم .
7- الاهتمام بالأطفال أثناء إحضارهم للصلاة ، وتسويتهم في الصف بحيث يجعل الأب أبناؤه في الصف الذي أمامه أو عن جانبيه حتى يأمن عبثهم ، وعدم لعبهم ، ويحذر من سخط الناس ودعاءهم عليهم فيما لو تركوا يسرحون ويمرحون في بيوت الله ، فقد تصيب أحدهم دعوة أحد المسلمين فيبوء بها والعياذ بالله .
8- صفوف النساء غالباً ما يعجز الإنسان عن تسويتها ، فصفوفهن عجيبة غريبة ، تجد صفاً مكتملاً والذي يليه ناقصاً من جهة أو أخرى ، والثالث في وسطه ثلة قليلة ، وهكذا من أخطاء النساء في تسوية الصفوف ، فلا ريب أن الشيطان سيدخل من خلل الصف ليفسد عليهن صلاتهن ، بل وأعجب من ذلك أنه إذا قُدمت النصيحة إليهن من إحدى الغيورات يقابلن ذلك بالنكران وعدم الإحسان ، وكان الواجب عليهن أن يكن متآلفات متعاونات على البر والتقوى ، وإلا فما الفائدة من حضورهن إلى المساجد فصلاة المرأة في بيتها خير لها ، فاتقين الله أيتها المسلمات واعتنين بصفوفكن حتى تكنّ كالجسد الواحد وتمنعن الشيطان من أن يُلبِّس عليكن صلاتكن ، فلم تأت إحداكن للمسجد إلا من أجل الخشوع والطمأنينة وحصول الأجر فحافظن على ذلك الأمر وكن يداً واحدة للعمل على تسوية الصفوف وتنبيه الغافلة والناسية وتعليم الجاهلة أن هذا مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فلنا في رسولنا الأسوة الحسنة في ذلك .
ولا يخفى على ذي لب ما لاتصال الصفوف وتسويتها وتراص الناس فيها وانتظامهم فيها كأسنان المشط ما لذلك من ألفة ومحبة واخوة ، حيث يشعر المسلون وكأنهم كالجسد الواحد ، ويسأل بعضهم عن حال بعض فيفرحون لفرح بعضهم بعضًا ويسارعون لنجدة الملهوف منهم ، ولم تأت تسوية الصفوف من فراغ بل جاءت ممن لا ينطق عن الهوى نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، فعجباً لمن يرى في نفسه ترفعاً على إخوانه بل ويرجو ممن هو بجانبه ألا يلصق كعبه بكعبه بحجة أنه لا يستطيع الخشوع ولا الطمأنينة إلا بعيداً عمن هو بجانبه من إخوانه المسلمين ، فنقول له : هل أنت أعلم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالتراص في الصفوف وحذر من وجود الفرج لأن ذلك يسبب دخول الشيطان من خلل الصف مما يلهي المصلي عن صلاته فلا يطمأِن فيها ولا يخشع . ولكنه اتباع الهوى وما تمليه النفس الأمارة بالسوء ، فسبحان الله متى يشعر المسلمون بالأخوة والمحبة والألفة حتى يكونوا صفاً واحداً ضد أعدائهم ، ولكنه خلل في العقول والأفهام ، وقلة حيلة في العلم والإلمام .
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا ممن يسابقون ويسارعون إلى الصفوف الأول ، وأن يوفقنا لتسوية الصفوف ، وتصفية النفوس ، وأن يجنبنا كيد الشيطان ووسوسته ، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولامضلين ، إنه سميع قريب . والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم .
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله ذوالجلال والإكرام ، ذي الطول والإنعام ، الحمد لله السميع البصير ، العلي الكبير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، ولا ند له ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شئ قدير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بعثه الله رحمة للعالمين ، وهدايةً للناس أجمعين ، ومذكراً للعارفين ، ومعلماً للجاهلين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن الداعي لكتابة هذه الرسالة ما نشاهده من زهد الكثير والكثير من المسلمين في الاهتمام بالصف الأول في الصلاة ، وعدم الاهتمام بتسوية الصفوف إلى غير ذلك من الأمور المتعلقة بالصفوف في الصلاة .
فرأيت أن من واجب النصح للجميع كتابة هذه الرسالة التي اسأل الله العلي القدير أن ينفع بها الكاتب والقارئ ومن أعان على طبعها ونشرها إنه خير مسؤول وخير مأمول .
من المعلوم شرعاً أن تسوية الصفوف واجب الإمام والمأموم على حد سواء ، فيجب على المأموم السمع والطاعة لإمامه عند توجيهه إلى تسوية الصفوف والتراص فيها ، فيسعى المأموم جاهداً لإيجاد فرجة في الصف الذي أمامه ليحظى بأجر أكثر وأفضل مما لو تأخر ، وينبغي على المأموم أن لا يتضجر ولا يتسخط من تسوية الصفوف والعناية بها بل يكون عوناً لإمامه على ذلك ، لما فيه من التعاون على البر والتقوى ، والتناهي عن الإثم والعدوان .
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لستهموا )) [ متفق عليه ] ، والنداء هو الأذان ، والاستهام هو الاقتراع ، أي لو يعلم الناس ما في الصف الأول من الأجر العظيم والفضيلة لتدافعوا وتنافسوا من أجل ذلك ، ولو جاؤا إلى الصف الأول دفعة واحدة وضاق عنهم الصف ولم يسمح بعضهم لبعض لاقترعوا عليه ، لأن كل منهم يريد أن يستأثر بأن يصلي في الصف الأول لما فيه من الخير والثواب الجزيل ، ولكن الشيطان لعب بكثير من الناس اليوم فإذا أقيمت الصلاة وقيل لهم أتموا الصف الأول جعلوا يلتفتون مندهشين مستغربين وما ذاك إلا لجهل أولئك الناس بأهمية الصفوف الأول في الصلاة .
** قال بن حجر في فتح الباري : [ قال العلماء في الحض على الصف الأول : المسارعة إلى خلاص الذمة ، والسبق لدخول المسجد ، والقرب من الإمام ، واستماع قراءته والتعلم منه ، والفتح عليه ، والتبليغ عنه ، والسلامة من اختراق المارة بين يديه ، وسلامة البال من رؤية من يكون أمامه ، وسلامة موضع سجوده من ثياب المصلين أمامه ] .
** وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع ، في مسألة تسوية الصفوف في الصلاة ، قال: [ القول الراجح في هذه المسألة وجوب تسوية الصف وأن الجماعة إذا لم يسووا الصف فهم آثمون ، . . . . وقال : إذا خالفوا فلم يسووا الصف فهل تبطل صلاتهم ، لأنهم تركوا أمراً واجباً ؟
الجواب : فيه احتمال ، قد يقال : أنها تبطل ، لأنهم تركوا الواجب ، ولكن احتمال عدم البطلان مع الإثم أقوى . . . ] .
ـ قال صلى الله عليه وسلم : (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )) [ رواه مسلم ] ، فمن تسوية الصفوف والاهتمام بها أن تفرد النساء وحدهن ، بمعنى أن يكون النساء خلف الرجال خشية الاختلاط ، ففي هذا بيان أنه كلما كانت هناك حواجز بين صفوف الرجال والنساء كان ذلك أبعد كل البعد عن ما قد يحصل من الفتنة .
وفي الحديث السابق الحث على أن يبكر الرجال بالحضور للمساجد من أجل الحصول على فضيلة الصفوف الأول ، والتأخر للنساء من أجل الحصول على فضيلة الصفوف المتأخرة ، وذلك في حالة اتصال صفوف الرجال والنساء بدون أن يكون هناك حاجز ، أما إذا كان هناك حاجز بين الرجال والنساء فخير صفوف النساء أولها . والله تعالى أعلم .
*** قال النووي رحمه الله في شرح الحديث السابق في شرحه على مسلم : [ أما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبداً ، وشرها آخرها أبداً ، أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال ـ أي التي ليس بينها وبين صفوف الرجال حاجز ـ ، والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثواباً وفضلاً ، وأبعدها من مطلوب الشرع ، وفضّل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع أصواتهم ] .
*** ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تسوية الصفوف وأمر بذلك ، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما ، قال (( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ فقلنا : يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال: يتمون الصفوف الأول ، ويتراصون في الصف )) [ رواه مسلم ] .
ففي هذا الحديث دلالة واضحة على الاهتمام بتسوية الصفوف وتراصها فهذا دليل على وحدة الأمة ، والتزام جماعتها بدين واحد ، وإمام واحد ، والاهتمام بتراص الصفوف وإقامتها والمقاربة بينها من أجل ألا يكون هناك فرج للشيطان كي يدخل منها ، لأن الشيطان يدخل من الخلل ليفسد قلوب المصلين ويلبس عليهم في صلاتهم ، فقال صلى الله عليه وسلم (( رصوا صفوفكم ، وقاربوا بينها ، وحاذوا بالأعناق ، فوا لذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الخذف )) [ رواه أبو داود وغيره وهو صحيح ] .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : (( أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وصل صفاً وصله الله ، ومن قطع صفاً قطعه الله )) [ رواه أبو داود وهو صحيح ] .
ففي هذا الحديث الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها والاهتمام بها حال القيام للصلاة وكذلك الاهتمام بسد الخلل حتى لا يدخل منه الشيطان ، وأن يضيق عليه مما يبطل كيده ويذهب وسوسته ، ويرد شره ، وينبغي العناية بوصل الصف والحذر كل الحذر من قطع الصف ، فإذا كانت هناك فرجة في الصف فيجب وصلها .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي صفوف الصحابة رضوان الله عليهم حتى وكأنما يسوي بها القداح أي مبالغة في تسويتها حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها ، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كاد يكبر رجلاً بادياً صدره من الصف ، فقال : ((عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم )) [ رواه مسلم] ، ففيه الحث على تسوية الصفوف وأنه يؤثر على حال الأمة وألفتها ، وعدم تسوية الصفوف يؤدي إلى الاختلاف والعداوة والبغضاء واختلاف القلوب وضعفها وسيطرة الشيطان عليها ووسوسته لها فيصرفها عن الصلاة حتى أن الإنسان لا يعقل من الصلاة إلا أقل القليل أو قد لا يعقل منها شيئاً . فالاهتمام بتسوية الصفوف من الضروريات التي ينبغي على الإمام والمأموم الانتباه لها وأخذ ذلك بعين الاعتبار .
وليس المقصود بالتراص في الصلاة التزاحم ، بل المقصود الاعتدال والتناظم في الصف وعدم ترك فرجات وفراغات يدخل منها الشيطان ، فيشوش على المصلين ويلهيهم عن الخشوع في صلاتهم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( تراصوا ولا تدعوا فرجات للشيطان )) [ رواه أبو داود وهو صحيح ] .
ـ عن البراء بن عازب رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية ، يمسح صدورنا ، ومناكبنا ، ويقول : (( لاتختلفوا فتختلف قلوبكم )) ، وكان يقول : (( إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول )) [ رواه أبو داود وهو صحيح ] .
فأي فضل عظيم يتركه كثير من الناس اليوم ، فتجدهم لايحرصون على الصفوف الأول بل يتأخرون ويتأخرون ، والنبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : (( لايزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله )) [ رواه مسلم ] . أي يؤخرهم عن رحمته وعظيم ثوابه .
وتكون تسوية الصفوف بإلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم والمعتبر بالقدم هو الكعب ، كما ذكر بعض العلماء .
كانت تلكم جملة من الأحاديث الدالة على الاهتمام بالصف الأول والمسارعة إليه ، بل وحتى الاقتراع من أجل الحصول على الثواب العظيم والأجر الجزيل بالمحافظة على الصلاة في الصفوف الأول ، فينبغي على المصلين المسارعة إلى الصفوف الأول وكذا تسوية جميع الصفوف في الصلاة ، والتعاون والتناصح فيما بينهم من أجل ذلك الأمر حتى لايلحقهم الوعيد الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم في عدم تسوية الصفوف: (( أو ليخالفن الله بين وجوهكم )) ، ففيه وعيد لمن ترك تسوية الصفوف متعمداً ، ولا وعيد إلا مع فعل أمر محرم أو ترك أمر واجب .
*** فليحذر المصلون من عدم تسوية الصفوف والتراص فيها ، وليكونوا إخواناً متعاونين على البر والتقوى ، متناهين عن الإثم والعدوان ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
فمن الجهل العظيم والخطر الجسيم أن يأتي الإنسان إلى بيوت الله تعالى لأداء الصلاة فيخرج من صلاته ولم يكتب له منها شئ ، فأي خسارة بعد هذه الخسارة ، فترك فرجات للشيطان مظنة إنقاص أجر الصلاة لما يسببه الشيطان من الوسوسة للمصلين في صلاتهم فتكون هذه الصلاة لا روح فيها ولا خشوع ولا طمأنينة وكل ذلك من أركان الصلاة ، فقد ينصرف الإنسان من صلاته ولم يعقل منها شئ ، فترفع إلى السماء فلا تفتح لها أبواب السماء فتلف في ثوب قديم بالٍ وترمى في وجه صاحبها وتقول : ضيعك الله كما ضيعتني . فهذا هو التفريط والتضييع بعينه .
وأختم بهذه الأحكام الخاصة بالصفوف في الصلاة :
من أحكام الصفوف :
إليك أخي الكريم بعضاً من الأحكام والفوائد المتعلقة بالصفوف وتسويتها في الصلاة :
1- يحرم المرور بين يدي المصلي في الصلاة إذا كان إماماً أو منفرداً ( مسبوقاً أو غير مسبوق )، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه )) [ متفق عليه ] ، قال الراوي : لا أدري قال أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين سنة ، أما المرور بين الصفوف إذا كان هناك إماماً فلا يمنع ذلك لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه ، لحديث بن عباس رضي الله عنهما أن الأتان كان يمر بين الصفوف ولم ينكر عليه ذلك أحد . والله أعلم .
2- قال صلى الله عليه وسلم : (( يقطع صلاة المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، المرأة والحمار والكلب الأسود )) [ مسلم ] ، فهذه الثلاثة تقطع صلاة المرء إذا مرت بينه وبين سترته ، أما إذا مر غيرهم فإنه ينقص أجر الصلاة إذا لم يمنعوا من المرور . والله أعلم .
3- يبدأ الصف من خلف الإمام مباشرة ثم يمتد ناحية اليمين وناحية الشمال .
4- قال صلى الله عليه وسلم : (( لاصلاة لمنفرد خلف الصف )) ، وهذا الحديث يدل على أن من وجد فرجة في الصف ثم لم يصلها ويصلي فيها فصلاته غير صحيحة ، أما من حاول أن يجد فرجة في الصف واتقى الله مااستطاع فلا حرج عليه أن يصلي خلف الصف منفرداً . والله أعلم .
5- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتراص وسد الخلل ، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتقون الصفوف بين السواري ـ أي بين الأعمدة ـ لما في ذلك من فصل الصف بعضه عن بعض ، ولكن إذا كان المسجد مزدحماً ففي هذه الحالة لاحرج في الاصطفاف بين الأعمدة ، أما في غير الحاجة في الصلاة بين السواري غير صحيحة . والله أعلم.
6- ميامن الصفوف أفضل من مياسرها ، فعن البراء رضي الله عنه قال : ( كنا إذا صلينا خلف رسول الله عليه وسلم ، أحببنا أن نكون عن يمينه . . ) [ مسلم ] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف )) [ مسلم ] . والله أعلم .
7- الاهتمام بالأطفال أثناء إحضارهم للصلاة ، وتسويتهم في الصف بحيث يجعل الأب أبناؤه في الصف الذي أمامه أو عن جانبيه حتى يأمن عبثهم ، وعدم لعبهم ، ويحذر من سخط الناس ودعاءهم عليهم فيما لو تركوا يسرحون ويمرحون في بيوت الله ، فقد تصيب أحدهم دعوة أحد المسلمين فيبوء بها والعياذ بالله .
8- صفوف النساء غالباً ما يعجز الإنسان عن تسويتها ، فصفوفهن عجيبة غريبة ، تجد صفاً مكتملاً والذي يليه ناقصاً من جهة أو أخرى ، والثالث في وسطه ثلة قليلة ، وهكذا من أخطاء النساء في تسوية الصفوف ، فلا ريب أن الشيطان سيدخل من خلل الصف ليفسد عليهن صلاتهن ، بل وأعجب من ذلك أنه إذا قُدمت النصيحة إليهن من إحدى الغيورات يقابلن ذلك بالنكران وعدم الإحسان ، وكان الواجب عليهن أن يكن متآلفات متعاونات على البر والتقوى ، وإلا فما الفائدة من حضورهن إلى المساجد فصلاة المرأة في بيتها خير لها ، فاتقين الله أيتها المسلمات واعتنين بصفوفكن حتى تكنّ كالجسد الواحد وتمنعن الشيطان من أن يُلبِّس عليكن صلاتكن ، فلم تأت إحداكن للمسجد إلا من أجل الخشوع والطمأنينة وحصول الأجر فحافظن على ذلك الأمر وكن يداً واحدة للعمل على تسوية الصفوف وتنبيه الغافلة والناسية وتعليم الجاهلة أن هذا مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فلنا في رسولنا الأسوة الحسنة في ذلك .
ولا يخفى على ذي لب ما لاتصال الصفوف وتسويتها وتراص الناس فيها وانتظامهم فيها كأسنان المشط ما لذلك من ألفة ومحبة واخوة ، حيث يشعر المسلون وكأنهم كالجسد الواحد ، ويسأل بعضهم عن حال بعض فيفرحون لفرح بعضهم بعضًا ويسارعون لنجدة الملهوف منهم ، ولم تأت تسوية الصفوف من فراغ بل جاءت ممن لا ينطق عن الهوى نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، فعجباً لمن يرى في نفسه ترفعاً على إخوانه بل ويرجو ممن هو بجانبه ألا يلصق كعبه بكعبه بحجة أنه لا يستطيع الخشوع ولا الطمأنينة إلا بعيداً عمن هو بجانبه من إخوانه المسلمين ، فنقول له : هل أنت أعلم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالتراص في الصفوف وحذر من وجود الفرج لأن ذلك يسبب دخول الشيطان من خلل الصف مما يلهي المصلي عن صلاته فلا يطمأِن فيها ولا يخشع . ولكنه اتباع الهوى وما تمليه النفس الأمارة بالسوء ، فسبحان الله متى يشعر المسلمون بالأخوة والمحبة والألفة حتى يكونوا صفاً واحداً ضد أعدائهم ، ولكنه خلل في العقول والأفهام ، وقلة حيلة في العلم والإلمام .
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا ممن يسابقون ويسارعون إلى الصفوف الأول ، وأن يوفقنا لتسوية الصفوف ، وتصفية النفوس ، وأن يجنبنا كيد الشيطان ووسوسته ، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولامضلين ، إنه سميع قريب . والحمد لله رب العالمين .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم .
رد: حول تسوية الصفوف فى الصلاة
الإثنين 06 أغسطس 2012, 3:36 pm
شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث الـ 75 في تسوية الصفوف
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
ح 75
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة .
في الحديث مسائل :
1 = ترتيب المؤلف رحمه الله منطقي ، فإنه بدأ بذِكر المواقيت ، ثم ذَكر فضل صلاة الجماعة ووجوبها ، ثم الأذان ، ثم استقبال القبلة ، ثم ذَكَر ما يتعلق بالصفوف .
ذلك أن الصلاة إذا حَضَرَتْ واستقبل المصلُّون القبلة فقد بَقِي عليهم قبل الدخول في الصلاة تَسْوية الصفوف
وسيأتي في الحديث التالي حُكم تسوية الصفوف .
2 = تدلّ أحاديث الباب بمجموعها على أهمية تسوية الصفوف وإقامتها وحُسنها ، وأن ذلك من تمام الصلاة ، إذ أن إقامة الصف لها تعلّق بالصلاة نفسها .
ففي رواية للبخاري : سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : وأقيموا الصف في الصلاة ، فإن إقامة الصفّ من حُسْنِ الصلاة . وفي حديث أنس رضي الله عنه قال : أُقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال : أقيموا صفوفكم وتراصوا ، فإني أراكم من وراء ظهري . رواه البخاري ومسلم .
3 = السنة للإمام أن يتفقد الصفوف قولاً وفعلا ، أما القول فما يتم به تسوية الصفوف ، من تقويم معوجّ ، وتعديل مائل ، وأمر بإتمام الصفّ الْمُقدَّم ، وأما الفعل فباليَدِ ، على ما سيأتي بيانه في الحديث الذي يليه .
وروى الإمام أحمد والنسائي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتموا الصف الأول ، ثم الذي يليه ، وإن كان نقص فليكن في الصفّ المؤخر .
فهذا من القول في تسوية الصفوف ، ومسح المناكب من الفعل .
قال ابن دقيق العيد : تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ : اعْتِدَالُ الْقَائِمِينَ بِهَا عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ن يأمر بتسوية الصفوف ، فإذا أخبروه أن قد استوت ، كَبـَّـر . رواه الإمام مالك وعبد الرزاق .
وفي رواية لعبد الرزاق عن بن عمر قال : كان عمر لا يُكبِّر حتى تعتدل الصفوف ، يَوكِّل بذلك رجالا .
وروى عبد الرزاق عن مالك عن عمه ابن أبي سهيل عن أبيه قال : كنت مع عثمان فقامت الصلاة وأنا أُكلِّمه في أن يَفرض لي ، فلم أزل أكلمه وهو يُسوي الحصى بيده حتى جاءه رجال قد كان وَكَّلَهم بتسوية الصفوف فأخبروه أنها قد استوت ، فقال لي : استوِ في الصف ، ثم كَبَّر .
قال ابن عبد البر : وأما تسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة من طرق شتى صحاح كلها ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف ، وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده ، وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه .
4 = مُبالغة الصحابة رضي الله عنهم في إقامة الصفوف .
روى البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري ، قال أنس : وكان أحدنا يُلزق منكبه بمنكب صاحبه ، وقدَمَه بِقَدَمِه .
5 = التراصّ في الصف ، وإتمام الصف الأول هو صِفة صَفّ الملائكة عند ربها .
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : خرج علينا فقال : ألا تَصُفُّون كما تصفّ الملائكة عند ربها ؟ فقلنا : يا رسول الله ! وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يُتِمُّون الصفوف الأُوَل ، ويتراصون في الصف . رواه مسلم .
6 = تسوية الصفوف ليست خاصة بالإمام بل الخطاب عام لجميع المصلِّين .
ويدلّ عليه ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه : أُقيمت الصلاة فقُمنا فعُدِّلت الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله في الأحاديث المتقدِّمة :
سووا صفوفكم
وأقيموا الصف
أقيموا صفوفكم وتراصوا
هذه الألفاظ تدلّ على أن الخطاب للجماعة ، أي للمأمومين .
وقد روى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ، وسُدُّوا الخلل ، ولِينُوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وَصَل صفاً وَصَلَه الله ، ومن قَطَع صَفاً قطعه الله . أبو داود : ومعنى : " ولِينُوا بأيدي إخوانكم " إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يَلِين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف .
7 = لماذا تُرصّ الصفوف ؟
لأنه أدعى للتآلف بين المصلِّين ، ولذا قال : ولِينُوا بأيدي إخوانكم .
ولأن الشيطان يدخل من خَلل الصفوف ، فيُفسد الصلاة ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : رصُّوا صفوفكم ، وقاربوا بينها ، وحاذوا بالأعناق ، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الْحَذَف . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي .
وفي حديث البراء بن عازب عند أحمد : قيل : يا رسول الله وما أولاد الْحَذَف ؟ قال : سُود جُرد تكون بأرض اليمن .
وفي حديث أبي أمامة عند أحمد أيضا : فإن الشيطان يدخل بينكم بمنـزلة الْحَذَف ، يعنى أولاد الضأن الصغار .
ولأن اختلاف الصفوف سبب في اختلاف القلوب وتنافرها ، كما سيأتي في الحديث الذي يليه .
الحديث الـ 75 في تسوية الصفوف
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
ح 75
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة .
في الحديث مسائل :
1 = ترتيب المؤلف رحمه الله منطقي ، فإنه بدأ بذِكر المواقيت ، ثم ذَكر فضل صلاة الجماعة ووجوبها ، ثم الأذان ، ثم استقبال القبلة ، ثم ذَكَر ما يتعلق بالصفوف .
ذلك أن الصلاة إذا حَضَرَتْ واستقبل المصلُّون القبلة فقد بَقِي عليهم قبل الدخول في الصلاة تَسْوية الصفوف
وسيأتي في الحديث التالي حُكم تسوية الصفوف .
2 = تدلّ أحاديث الباب بمجموعها على أهمية تسوية الصفوف وإقامتها وحُسنها ، وأن ذلك من تمام الصلاة ، إذ أن إقامة الصف لها تعلّق بالصلاة نفسها .
ففي رواية للبخاري : سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : وأقيموا الصف في الصلاة ، فإن إقامة الصفّ من حُسْنِ الصلاة . وفي حديث أنس رضي الله عنه قال : أُقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال : أقيموا صفوفكم وتراصوا ، فإني أراكم من وراء ظهري . رواه البخاري ومسلم .
3 = السنة للإمام أن يتفقد الصفوف قولاً وفعلا ، أما القول فما يتم به تسوية الصفوف ، من تقويم معوجّ ، وتعديل مائل ، وأمر بإتمام الصفّ الْمُقدَّم ، وأما الفعل فباليَدِ ، على ما سيأتي بيانه في الحديث الذي يليه .
وروى الإمام أحمد والنسائي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتموا الصف الأول ، ثم الذي يليه ، وإن كان نقص فليكن في الصفّ المؤخر .
فهذا من القول في تسوية الصفوف ، ومسح المناكب من الفعل .
قال ابن دقيق العيد : تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ : اعْتِدَالُ الْقَائِمِينَ بِهَا عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ن يأمر بتسوية الصفوف ، فإذا أخبروه أن قد استوت ، كَبـَّـر . رواه الإمام مالك وعبد الرزاق .
وفي رواية لعبد الرزاق عن بن عمر قال : كان عمر لا يُكبِّر حتى تعتدل الصفوف ، يَوكِّل بذلك رجالا .
وروى عبد الرزاق عن مالك عن عمه ابن أبي سهيل عن أبيه قال : كنت مع عثمان فقامت الصلاة وأنا أُكلِّمه في أن يَفرض لي ، فلم أزل أكلمه وهو يُسوي الحصى بيده حتى جاءه رجال قد كان وَكَّلَهم بتسوية الصفوف فأخبروه أنها قد استوت ، فقال لي : استوِ في الصف ، ثم كَبَّر .
قال ابن عبد البر : وأما تسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة من طرق شتى صحاح كلها ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف ، وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده ، وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه .
4 = مُبالغة الصحابة رضي الله عنهم في إقامة الصفوف .
روى البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري ، قال أنس : وكان أحدنا يُلزق منكبه بمنكب صاحبه ، وقدَمَه بِقَدَمِه .
5 = التراصّ في الصف ، وإتمام الصف الأول هو صِفة صَفّ الملائكة عند ربها .
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : خرج علينا فقال : ألا تَصُفُّون كما تصفّ الملائكة عند ربها ؟ فقلنا : يا رسول الله ! وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يُتِمُّون الصفوف الأُوَل ، ويتراصون في الصف . رواه مسلم .
6 = تسوية الصفوف ليست خاصة بالإمام بل الخطاب عام لجميع المصلِّين .
ويدلّ عليه ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه : أُقيمت الصلاة فقُمنا فعُدِّلت الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله في الأحاديث المتقدِّمة :
سووا صفوفكم
وأقيموا الصف
أقيموا صفوفكم وتراصوا
هذه الألفاظ تدلّ على أن الخطاب للجماعة ، أي للمأمومين .
وقد روى أبو داود بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ، وسُدُّوا الخلل ، ولِينُوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وَصَل صفاً وَصَلَه الله ، ومن قَطَع صَفاً قطعه الله . أبو داود : ومعنى : " ولِينُوا بأيدي إخوانكم " إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يَلِين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف .
7 = لماذا تُرصّ الصفوف ؟
لأنه أدعى للتآلف بين المصلِّين ، ولذا قال : ولِينُوا بأيدي إخوانكم .
ولأن الشيطان يدخل من خَلل الصفوف ، فيُفسد الصلاة ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : رصُّوا صفوفكم ، وقاربوا بينها ، وحاذوا بالأعناق ، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الْحَذَف . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي .
وفي حديث البراء بن عازب عند أحمد : قيل : يا رسول الله وما أولاد الْحَذَف ؟ قال : سُود جُرد تكون بأرض اليمن .
وفي حديث أبي أمامة عند أحمد أيضا : فإن الشيطان يدخل بينكم بمنـزلة الْحَذَف ، يعنى أولاد الضأن الصغار .
ولأن اختلاف الصفوف سبب في اختلاف القلوب وتنافرها ، كما سيأتي في الحديث الذي يليه .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى