حول تسوية الصفوف قبل تكبيرة الاحرام
الأربعاء 11 ديسمبر 2013, 6:07 pm
إذا كبر الإمام قبل تراص الصفوف. وهذا أكثر حال الأئمة ـ هداهم الله ـ فهل الأولى للمأموم المبادرة بالتكبير؛ اغتنامًا لفضل تكبيرة الإحرام أم تأخير التكبير؛ حتى تقل الحركة والمشي والتقدم والتأخر؟.
الاجابة
الحمد لله وحده. المشروع في حق الإمام أن لا يكبر تكبيرة الإحرام قبل تسوية الصفوف؛ لأن تسوية الصفوف من تمام الصلاة. فإن خالف المشروع وكبر تكبيرة الإحرام قبل تسوية الصفوف فقد أساء؛ لتركه السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأما المأموم، فينبغي له إذا سمع تكبيرة الإحرام أن يكبر معه؛ اغتنامًا لإدراك تكبيرة الإحرام وما ورد في فضلها، وامتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا [1]. ففي هذا دليل على المبادرة بالتكبير؛ لأن الفاء في قوله: فإذا كبر فكبروا تفيد الترتيب والتعقيب. وإذا كبر الإنسان تكبيرة الإحرام فعليه بلزوم الهدوء والطمأنينة، والإقلال من الحركة حسب الإمكان؛ إلا ما استثني وهو من جنس ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، مثل فتحه الباب لعائشة، والتقدم والتأخر اليسير حينما كان يصلي صلاة الكسوف، وكذلك صلاته فوق المنبر، وتأخره للسجود على الأرض ثم رجوعه إلى المنبر. فهذا فعَله صلى الله عليه وسلم للمصلحة. ونعود إلى ذكر تسوية الصفوف وإقامتها، والتراص فيها، وما ورد في ذلك. وقد ترجم على ذلك شيخ المذهب الإمام محيي الدين أبو البركات عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني في كتابه الشهير 'منتقى الأخبار'، فقال: عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة، فإذا استوينا كبر . رواه أبو داود[2]. قال الشارح الشوكاني[3]: وفي لفظ آخر من طريق سماك بن حرب، عن النعمان، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوينا في الصفوف كما يقوّم القدح، حتى إذا ظن أن قد أخذنا عنه ذلك وفقهنا أقبل ذات يوم بوجهه إلى رجل منتبذ بصدره، فقال: لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم . قال المنذري: والحديث المذكور في الباب طرف من هذا الحديث. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي ـ وصححه ـ والنسائي وابن ماجه[4]. وأخرج البخاري ومسلم[5] من حديث سالم بن أبي الجعد، عن النعمان بن بشير الفصل الأخير منه. وفي الباب عن جابر بن سمرة عند مسلم[6]. وعن البراء عند مسلم أيضًا[7]. وعن أنس عند البخاري ومسلم[8]، وله حديث آخر عند البخاري[9]. وعن جابر عند عبد الرزاق[10]. وعن أبي هريرة عند مسلم[11]. وعن عائشة عند أحمد وابن ماجه[12]. وعن ابن عمر عند أحمد وأبي داود[13]. وروي عن عمر أنه كان يوكل رجالاً بإقامة الصفوف، فلا يكبر حتى يخبر أن الصفوف قد استوت. أخرجه عنه الترمذي[14]. قال وروي عن علي وعثمان[15] أنهما كانا يتعاهدان ذلك، ويقولان استووا. وكان علي يقول تقدم يا فلان، تأخر يا فلان. انتهى. قال ابن سيد الناس: عن سويد عن غفلة قال: كان بلال يضرب أقدامنا في الصلاة، ويسوي مناكبنا. قال: والآثار في هذا الباب كثيرة عمن ذكرنا، وعن غيرهم. قال القاضي عياض: ولا يختلف فيه أنه من سنن الجماعات. وفي البخاري بزيادة فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة [16]. وقد ذهب ابن حزم الظاهري إلى فرضية ذلك محتجًا بهذه الزيادة، قال وإذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض. اهـ. وقال الحافظ المنذري في 'الترغيب والترهيب'[17] الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول . قالوا: يا رسول الله، وعلى الثاني؟ قال: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول . قالوا: يا رسول الله، وعلى الثاني؟ قال: وعلى الثاني . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، ولينوا في أيدي إخوانكم، وسدوا الخلل؛ فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحَذَف . يعني أولاد الضأن الصغار. رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني، وغيره[18]. وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة . رواه البخاري، ومسلم، وابن ماجه، وغيرهم[19]. وفي رواية البخاري: فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة . ورواه أبو داود، ولفظه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف . رواه النسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في 'صحيحيهما'، نحو رواية أبي داود[20]. وروي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استووا تستو قلوبكم، وتماسوا تراحموا . قال سريج: تماسوا، يعني تزاحموا. وقال غيره: تماسوا تواصلوا. رواه الطبراني في 'الأوسط'[21]. وفي نسخة: ازدحموا ومعنى استووا استقيموا، وقفوا معتدلين كالخط المستقيم الذي لا يميل يمنة ولا يسرة. وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفًا وصله الله، ومن قطع صفًا قطعه الله . رواه أحمد، وأبو داود وغيرهما[22]. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خياركم ألينكم مناكب في الصلاة . رواه أبو داود[23]. وفي 'الحاشية'[24]، قال المناوي: أي ألزمكم للسكينة والوقار والخشوع. ويحتمل أن يكون معناه أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف؛ لسد الخلل، ولضيق المكان، بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه، أو أنه يطاوع من جره ليصطف معه، إذا لم يجد فرجة. اهـ. 'الجامع الصغير' ص(242). فتجد الحديث يشمل ثلاثة؛ أولاً: التؤدة، وترك العبث، والخشوع لله. ثانيًا: إذا كانت هناك فرجة ضيقة لا تسع شخصًا، فجاء شخص، ضم نفسه، وليّن منكبه حتى وسعه. وهذا معنى جميل يدعو المسلمين إلى اتساع الصدر، والمشاركة في الخير، والتحمل، والصبر، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. ثالثًا: إذا جره شخص ليصطف معه؛ ليّن منكبه وطاوعه. تلك خلال المؤمنين، هيّنون، ليّنون، أيسار، ذوو كرم. اهـ. وعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ناحية الصف، ويسوي بين صدور القوم ومناكبهم. ويقول: لا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول . رواه ابن خزيمة في 'صحيحه'[25]. اهـ. فهذا سياق بعض ما ورد من الأحاديث والآثار. وأما كلام الفقهاء، فقال في 'كشاف القناع عن متن الإقناع': ثم يسوي، أي يأمر ـ بدليل ما بعده ـ الإمام الصفوف ـ ندبًا ـ، بمحاذاة المناكب والأكعب، دون أطراف الأصابع، فيلتفت الإمام عن يمينه قائلاً اعتدلوا وسووا صفوفكم، وعن يساره كذلك. ومما ورد في ذلك، ما روى محمد بن مسلم. قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك يومًا. فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟ فقلت: لا والله. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه فقال: اعتدلوا وسووا صفوفكم ، ثم أخذه بيساره وقال: اعتدلوا،وسووا صفوفكم . رواه أبو داود[26]، وفي إسناده ضعف. ولأن تسوية الصف من تمام الصلاة، للخبر المتفق عليه من حديث أنس. قال الإمام أحمد: ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام، أي موقفه؛ لحديث أبي هريرة قال: ( إن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه ). رواه مسلم[27]. وذهب كثير من أهل العلم إلى القول بوجوب تسوية الصفوف، وأنها ليست مستحبة فحسب، بل هي واجبة. ومن هؤلاء الإمام البخاري؛ فإنه ترجم في 'صحيحه' بقوله: (باب إثم من لم يُقم الصف)، ثم ساق الأحاديث الواردة في الباب فنبه بقوله: (باب إثم من لم يقم الصف) إلى وجوبه؛ لأن الواجب ما أثيب فاعله واستحق الإثم تاركه. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يميل إلى القول بوجوب تسوية الصفوف. قال في 'الاختيارات'[28]: وظاهر كلام أبي العباس أنه يجب تسوية الصفوف؛ لأنه عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً باديًا صدره، فقال: لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم . وقال عليه الصلاة والسلام: سووا صفوفكم؛ فإن تسويتها من تمام الصلاة . متفق عليهما[29].وترجم عليه البخاري، باب (إثم من لم يقم الصف). انتهى.
http://www.al-islam.com/Loader.aspx?pageid=1073&fid=493&BookID=1
الاجابة
الحمد لله وحده. المشروع في حق الإمام أن لا يكبر تكبيرة الإحرام قبل تسوية الصفوف؛ لأن تسوية الصفوف من تمام الصلاة. فإن خالف المشروع وكبر تكبيرة الإحرام قبل تسوية الصفوف فقد أساء؛ لتركه السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأما المأموم، فينبغي له إذا سمع تكبيرة الإحرام أن يكبر معه؛ اغتنامًا لإدراك تكبيرة الإحرام وما ورد في فضلها، وامتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا [1]. ففي هذا دليل على المبادرة بالتكبير؛ لأن الفاء في قوله: فإذا كبر فكبروا تفيد الترتيب والتعقيب. وإذا كبر الإنسان تكبيرة الإحرام فعليه بلزوم الهدوء والطمأنينة، والإقلال من الحركة حسب الإمكان؛ إلا ما استثني وهو من جنس ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، مثل فتحه الباب لعائشة، والتقدم والتأخر اليسير حينما كان يصلي صلاة الكسوف، وكذلك صلاته فوق المنبر، وتأخره للسجود على الأرض ثم رجوعه إلى المنبر. فهذا فعَله صلى الله عليه وسلم للمصلحة. ونعود إلى ذكر تسوية الصفوف وإقامتها، والتراص فيها، وما ورد في ذلك. وقد ترجم على ذلك شيخ المذهب الإمام محيي الدين أبو البركات عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني في كتابه الشهير 'منتقى الأخبار'، فقال: عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة، فإذا استوينا كبر . رواه أبو داود[2]. قال الشارح الشوكاني[3]: وفي لفظ آخر من طريق سماك بن حرب، عن النعمان، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوينا في الصفوف كما يقوّم القدح، حتى إذا ظن أن قد أخذنا عنه ذلك وفقهنا أقبل ذات يوم بوجهه إلى رجل منتبذ بصدره، فقال: لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم . قال المنذري: والحديث المذكور في الباب طرف من هذا الحديث. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي ـ وصححه ـ والنسائي وابن ماجه[4]. وأخرج البخاري ومسلم[5] من حديث سالم بن أبي الجعد، عن النعمان بن بشير الفصل الأخير منه. وفي الباب عن جابر بن سمرة عند مسلم[6]. وعن البراء عند مسلم أيضًا[7]. وعن أنس عند البخاري ومسلم[8]، وله حديث آخر عند البخاري[9]. وعن جابر عند عبد الرزاق[10]. وعن أبي هريرة عند مسلم[11]. وعن عائشة عند أحمد وابن ماجه[12]. وعن ابن عمر عند أحمد وأبي داود[13]. وروي عن عمر أنه كان يوكل رجالاً بإقامة الصفوف، فلا يكبر حتى يخبر أن الصفوف قد استوت. أخرجه عنه الترمذي[14]. قال وروي عن علي وعثمان[15] أنهما كانا يتعاهدان ذلك، ويقولان استووا. وكان علي يقول تقدم يا فلان، تأخر يا فلان. انتهى. قال ابن سيد الناس: عن سويد عن غفلة قال: كان بلال يضرب أقدامنا في الصلاة، ويسوي مناكبنا. قال: والآثار في هذا الباب كثيرة عمن ذكرنا، وعن غيرهم. قال القاضي عياض: ولا يختلف فيه أنه من سنن الجماعات. وفي البخاري بزيادة فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة [16]. وقد ذهب ابن حزم الظاهري إلى فرضية ذلك محتجًا بهذه الزيادة، قال وإذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض. اهـ. وقال الحافظ المنذري في 'الترغيب والترهيب'[17] الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول . قالوا: يا رسول الله، وعلى الثاني؟ قال: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول . قالوا: يا رسول الله، وعلى الثاني؟ قال: وعلى الثاني . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، ولينوا في أيدي إخوانكم، وسدوا الخلل؛ فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحَذَف . يعني أولاد الضأن الصغار. رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني، وغيره[18]. وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة . رواه البخاري، ومسلم، وابن ماجه، وغيرهم[19]. وفي رواية البخاري: فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة . ورواه أبو داود، ولفظه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف . رواه النسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في 'صحيحيهما'، نحو رواية أبي داود[20]. وروي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استووا تستو قلوبكم، وتماسوا تراحموا . قال سريج: تماسوا، يعني تزاحموا. وقال غيره: تماسوا تواصلوا. رواه الطبراني في 'الأوسط'[21]. وفي نسخة: ازدحموا ومعنى استووا استقيموا، وقفوا معتدلين كالخط المستقيم الذي لا يميل يمنة ولا يسرة. وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفًا وصله الله، ومن قطع صفًا قطعه الله . رواه أحمد، وأبو داود وغيرهما[22]. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خياركم ألينكم مناكب في الصلاة . رواه أبو داود[23]. وفي 'الحاشية'[24]، قال المناوي: أي ألزمكم للسكينة والوقار والخشوع. ويحتمل أن يكون معناه أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف؛ لسد الخلل، ولضيق المكان، بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه، أو أنه يطاوع من جره ليصطف معه، إذا لم يجد فرجة. اهـ. 'الجامع الصغير' ص(242). فتجد الحديث يشمل ثلاثة؛ أولاً: التؤدة، وترك العبث، والخشوع لله. ثانيًا: إذا كانت هناك فرجة ضيقة لا تسع شخصًا، فجاء شخص، ضم نفسه، وليّن منكبه حتى وسعه. وهذا معنى جميل يدعو المسلمين إلى اتساع الصدر، والمشاركة في الخير، والتحمل، والصبر، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. ثالثًا: إذا جره شخص ليصطف معه؛ ليّن منكبه وطاوعه. تلك خلال المؤمنين، هيّنون، ليّنون، أيسار، ذوو كرم. اهـ. وعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ناحية الصف، ويسوي بين صدور القوم ومناكبهم. ويقول: لا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول . رواه ابن خزيمة في 'صحيحه'[25]. اهـ. فهذا سياق بعض ما ورد من الأحاديث والآثار. وأما كلام الفقهاء، فقال في 'كشاف القناع عن متن الإقناع': ثم يسوي، أي يأمر ـ بدليل ما بعده ـ الإمام الصفوف ـ ندبًا ـ، بمحاذاة المناكب والأكعب، دون أطراف الأصابع، فيلتفت الإمام عن يمينه قائلاً اعتدلوا وسووا صفوفكم، وعن يساره كذلك. ومما ورد في ذلك، ما روى محمد بن مسلم. قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك يومًا. فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟ فقلت: لا والله. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه فقال: اعتدلوا وسووا صفوفكم ، ثم أخذه بيساره وقال: اعتدلوا،وسووا صفوفكم . رواه أبو داود[26]، وفي إسناده ضعف. ولأن تسوية الصف من تمام الصلاة، للخبر المتفق عليه من حديث أنس. قال الإمام أحمد: ينبغي أن تقام الصفوف قبل أن يدخل الإمام، أي موقفه؛ لحديث أبي هريرة قال: ( إن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه ). رواه مسلم[27]. وذهب كثير من أهل العلم إلى القول بوجوب تسوية الصفوف، وأنها ليست مستحبة فحسب، بل هي واجبة. ومن هؤلاء الإمام البخاري؛ فإنه ترجم في 'صحيحه' بقوله: (باب إثم من لم يُقم الصف)، ثم ساق الأحاديث الواردة في الباب فنبه بقوله: (باب إثم من لم يقم الصف) إلى وجوبه؛ لأن الواجب ما أثيب فاعله واستحق الإثم تاركه. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يميل إلى القول بوجوب تسوية الصفوف. قال في 'الاختيارات'[28]: وظاهر كلام أبي العباس أنه يجب تسوية الصفوف؛ لأنه عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً باديًا صدره، فقال: لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم . وقال عليه الصلاة والسلام: سووا صفوفكم؛ فإن تسويتها من تمام الصلاة . متفق عليهما[29].وترجم عليه البخاري، باب (إثم من لم يقم الصف). انتهى.
http://www.al-islam.com/Loader.aspx?pageid=1073&fid=493&BookID=1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى